الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } * { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ }

قوله تعالى: { فَإِنْ أَعْرَضُواْ } يعني كفار قريش عما تدعوهم إليه يا محمد من الإيمان. { فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } أي خوفتكم هلاكاً مثل هلاك عاد وثمود. { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } يعني من أرسل إليهم وإلى من قبلهم { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } موضع «أَنْ» نصب بإسقاط الخافض أي بـ«ـأَلاَّ تَعْبُدُوا» و { قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } بدل الرسل { فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } من الإنذار والتبشير. قيل: هذا استهزاء منهم. وقيل: إقرار منهم بإرسالهم ثم بعده جحود وعناد. قوله تعالى: { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } على عباد الله هود ومن آمن معه { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } اغتروا بأجسامهم حين تهدّدهم بالعذاب، وقالوا: نحن نقدر على دفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوّتنا. وذلك أنهم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم. وقد مضى في «الأعراف» عن ابن عباس: أن أطولهم كان مائة ذراع وأقصرهم كان ستين ذراعاً. فقال الله تعالى ردًّا عليهم: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } وقدرة، وإنما يقدر العبد بإقدار الله، فالله أقدر إذاً. { وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } أي بمعجزاتنا يكفرون. قوله تعالى: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } هذا تفسير الصاعقة التي أرسلها عليهم، أي ريحاً باردة شديدة البرد وشديدة الصوت والهبوب. ويقال: أصلها صَرَّرَ من الصِّر وهو البرد فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل كقولهم كَبْكَبوا أصله كبَبَّوا، وتَجَفْجَفَ الثوبُ أصله تجفَّف. أبو عبيدة: معنى صَرْصَر: شديدة عاصفة. عكرمة وسعيد بن جبير: شديدة البرد. وأنشد قُطْرُب قول الحطيئة:
المُطْعِمون إذا هَبّتْ بصَرْصَرةٍ   والحامِلون إذا اسْتُودُوا على النَّاسِ
استودوا: إذا سئلوا الدية. مجاهد: الشديدة السموم. وروى معمر عن قتادة قال: باردة. وقاله عطاء لأن «صَرْصَراً» مأخوذ من صرّ والصرّ في كلام العرب البرد كما قال:
لها عُذَرٌ كقُرون النِّسا   ءِ رُكِّبْنَ في يومِ ريح وصِرْ
وقال السدي: الشديدة الصّوت. ومنه صَرّ القلمُ والباب يصِرّ صرِيراً أي صَوَّت. ويقال: درهم صَرِّيٌّ وصِرِّيٌّ للذي له صوت إذا نُقِد. قال ابن السِّكيّت: صَرْصَرْ يجوز أن يكون من الصِّر وهو البرد، ويجوز أن يكون من صرِير الباب، ومن الصَّرة وهي الصيحة. ومنهفَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } [الذاريات: 29]. وصَرْصَرْ اسم نهر بالعراق. { فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } أي مشؤومات قاله مجاهد وقتادة. كنّ آخر شوّال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء وذلكسَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } [الحاقة: 7] قال ابن عباس: ما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء. وقيل «نَحِسَاتٍ» باردات حكاه النقاش. وقيل: متتابعات عن ابن عباس وعطية. الضحاك: شِداد. وقيل: ذات غبار حكاه ابن عيسى. ومنه قول الراجز:

السابقالتالي
2