الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } * { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

قوله تعالى: { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } «أَئِنَّكُمْ» بهمزتين الثانية بين بين و«أَائِنَّكُمْ» بألف بين همزتين وهو استفهام معناه التوبيخ. أمره بتوبيخهم والتعجب من فعلهم، أي لِمَ تكفرون بالله وهو خالق السموات والأرض؟ٰ «فِي يَوْمَيْنِ» الأحد والاثنين. { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } أي أضداداً وشركاء { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا } أي في الأرض { رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا } يعني الجبال. وقال وهب: لما خلق الله الأرض مادت على وجه الماء فقال لجبريل: ثَبِّتها يا جبريل. فنزل فأمسكها فغلبته الرياح، قال: يا رب أنت أعلم لقد غُلِبت فيها فثبَّتَها بالجبال وأرساها { وَبَارَكَ فِيهَا } بما خلق فيها من المنافع. قال السدي: أنبت فيها شجرها. { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } قال السدي والحسن: أرزاق أهلها ومصالحهم. وقال قتادة ومجاهد: خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها في يوم الثلاثاء والأربعاء. وقال عكرمة والضحاك: معنى «قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا» أي أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم من التجارات والأشجار والمنافع في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار من بلد إلى بلد. قال عكرمة: حتى إنه في بعض البلاد ليتبايعون الذهب بالملح مِثلاً بمثل. وقال مجاهد والضحاك: السابريّ من سابور، والطيالسة من الرّي، والحبر اليمانية من اليمن. { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } يعني في تتمة أربعة أيام. ومثاله قول القائل: خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً أي في تتمة خمسة عشر يوماً. قال معناه ابن الأنباري وغيره. { سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } قال الحسن: المعنى في أربعة أيام مستوية تامة. الفراء: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين. واختاره الطبري. وقرأ الحسن البصري ويعقوب الحضرمي «سَوَاءٍ لِلسَّائِلِينَ» بالجر. وعن ابن القعقاع «سَواءٌ» بالرفع فالنصب على المصدر و«سَوَاءً» بمعنى استواء أي استوت استواء. وقيل: على الحال والقطع والجر على النعت لأيام أو لأربعة أي «فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ» مستوية تامة. والرفع على الابتداء والخبر «لِلسَّائِلِينَ» أو على تقدير هذه «سَوَاءٌ لِلسَّائِلِينَ». وقال أهل المعاني: معنى «سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ» ولغير السائلين أي خلق الأرض وما فيها لمن سأل ولمن لم يسأل، ويعطي من سأل ومن لا يسأل. قوله تعالى: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } أي عَمَد إلى خلقها وقصد لتسويتها. والاستواء من صفة الأفعال على أكثر الأقوال يدل عليه قوله تعالى:ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } [البقرة: 29] وقد مضى القول هناك. وروى أبو صالح عن ابن عباس في قوله: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } يعني صعد أمره إلى السماء وقاله الحسن. ومن قال: إنه صفة ذاتية زائدة قال: استوى في الأزل بصفاته. و«ثُمَّ» ترجع إلى نقل السماء من صفة الدخان إلى حالة الكثافة، وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس على ما مضى في «البقرة» عن ابن مسعود وغيره.

السابقالتالي
2 3