الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } * { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } * { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

قوله تعالى: { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } على تأنيث الجماعة أي كذبت الرسل. { وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ } أي والأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب نحو عاد وثمود فمَن بعدهم. { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } أي ليحبسوه ويعذبوه. وقال قتادة والسدّي: ليقتلوه. والأخذ يرِد بمعنى الإهلاك كقوله:ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [الحج: 44]. والعرب تسمي الأسير الأخيذ لأنه مأسور للقتل وأنشد قطرب قول الشاعر:
فإمّا تأخُذونِي تَقْتُلونِي   فكَمْ مِنْ آخِذٍ يَهْوَى خُلودِي
وفي وقت أخذهم لرسولهم قولان: أحدهما عند دعائه لهم. الثاني عند نزول العذاب بهم. { وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } أي ليزيلوا. ومنه مكان دَحْض أي مَزْلَقة، والباطل داحض لأنه يزلق ويزل فلا يستقر. قال يحيـى بن سلاّم: جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان. { فَأَخَذْتُهُمْ } أي بالعذاب. { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } أي عاقبة الأمم المكذبة. أي أليس وجدوه حقاً. قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ } أي وجبت ولزمت مأخوذ من الحق لأنه اللازم. { كَلِمَةُ رَبِّكَ } هذه قراءة العامة على التوحيد. وقرأ نافع وابن عامر: «كَلِمَاتُ» جمعاً. { عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ } قال الأخفش: أي لأنهم وبأنهم. قال الزجاج: ويجوز إنهم بكسر الهمزة. { أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } أي المعذَّبون بها وتم الكلام. ثم ابتدأ فقال: { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } ويروى: أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم، وهم أشراف الملائكة وأفضلهم. ففي الحديث: " أن الله تبارك وتعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلاً لهم على سائر الملائكة " ويقال: خلق الله العرش من جوهرة خضراء، وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام. وقيل: حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهلِّلين مكبِّرين، ومن ورائهم سبعون ألف صفّ قيام، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم، ورافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مائة ألف صفّ، قد وضعوا الأيمان على الشمائل، ما منهم أحد إلا وهو يسبّح بما لا يسبّح به الآخر. وقرأ ابن عباس: «الْعُرْشُ» بضم العين ذكر جميعه الزمخشري رحمه الله. وقيل: اتصل هذا بذكر الكفار لأن المعنى ـ والله أعلم ـ { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } ينزهون الله عز وجل عما يقوله الكفار { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } أي يسألون لهم المغفرة من الله تعالى. وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير، وأنه جسم مُجَسَّم خلقه الله عز وجل، وأمر ملائكة بحمله، وتَعبَّدهم بتعظيمه والطواف به كما خلق في الأرض بيتاً وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة. وروى ابن طَهْمان، عن موسى بن عقبة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3