الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ } * { فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } * { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } قال ابن زيد: هم المشركون بدليل قوله: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا }. وقال أكثر المفسرين: نزلت في القدرية. قال ابن سيرين: إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية فلا أدري فيمن نزلت. قال أبو قبيل: لا أحسب المكذّبين بالقدَر إلا الذين يجادلون الذين آمنوا. وقال عقبة بن عامر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نزلت هذه الآية في القدَرِية " ذكره المهدوي. قوله تعالى: { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ } أي عن قريب يعلمون بطلان ما هم فيه إذا دخلوا النار وغُلّت أيديهم إلى أعناقهم. قال التيمي: لو أن غُلاًّ من أغلال جهنم وضع على جبل لوَهَصه حتى يبلغ الماء الأسود. { وٱلسَّلاَسِلُ } بالرفع قراءة العامة عطفاً على الأغلال. قال أبو حاتم: { يُسْحَبُونَ } مستأنف على هذه القراءة. وقال غيره: هو في موضع نصب على الحال، والتقدير: «إِذِ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ» مسحوبين. وقرأ ابن عباس وأبو الجوزاء وعكرمة وابن مسعود «والسَّلاسِلَ» بالنصب «يُسْحَبُونَ» بفتح الياء والتقدير في هذه القراءة ويسحبون السلاسل. قال ابن عباس: إذا كانوا يجرونها فهو أشدّ عليهم. وحكي عن بعضهم «والسلاسِلِ» بالجر ووجهه أنه محمول على المعنى لأن المعنى أعناقهم في الأغلال والسلاسلِ قاله الفرّاء. وقال الزجاج: ومن قرأ «والسلاسِلِ يسحبون» بالخفض فالمعنى عنده وفي «السلاسِلِ يُسْحَبُونَ». قال ابن الأنباري: والخفض على هذا المعنى غير جائز لأنك إذا قلت زيد في الدار لم يحسن أن تضمر «في» فتقول زيد الدارِ، ولكن الخفض جائز على معنى إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل، فتخفض السلاسل على النسق على تأويل الأغلال لأن الأغلال في تأويل الخفض كما تقول: خاصم عبد الله زيداً العاقلين فتنصب العاقلين. ويجوز رفعهما لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصمه صاحبه أنشد الفرّاء:
قد سَالَم الحياتِ مِنه القدَمَا   الأُفْعُوَانَ والشُّجاعَ الشَّجْعَما
فنصب الأفعوان على الإتباع للحيات إذا سالمت القدم فقد سالمتها القدم. فمن نصب السلاسل أو خفضها لم يقف عليها. و«الحميم» المتناهي في الحر. وقيل: الصديد المغلي. { ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } أي يطرحون فيكونون وقوداً لها قاله مجاهد. يقال: سجرت التنور أي أوقدته، وسجرته ملأته ومنهوَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [الطور: 6] أي المملوء. فالمعنى على هذا تملأ بهم النار، وقال الشاعر يصف وعلا:
إِذا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً   تَرَى حَوْلَها النَّبْعَ والسِّمْسِمَا
أي عيناً مملوءة. { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } وهذا تقريع وتوبيخ. { قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا } أي هلكوا وذهبوا عنا وتركونا في العذاب من ضلّ الماءُ في اللبن أي خفي. وقيل: أي صاروا بحيث لا نجدهم.

السابقالتالي
2