الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ }

قوله تعالى: { حـمۤ } اختلف في معناه فقال عكرمة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " { حـمۤ } اسم من أسماء الله تعالى وهي مفاتيح خزائن ربك " قال ابن عباس: «حمۤ» اسم الله الأعظم. وعنه: «الۤر» و«حمۤ» و«نۤ» حروف الرحمن مقطعة. وعنه أيضاً: اسم من أسماء الله تعالى أقسم به. وقال قتادة إنه اسم من أسماء القرآن. مجاهد: فواتح السور. وقال عطاء الخراساني: الحاء افتتاح اسمه حميدٌ وحنّانٌ وحليمٌ وحكيمٌ، والميم افتتاح اسمه ملكٌ ومجيدٌ ومنّانٌ ومتكبرٌ ومصوّرٌ يدلّ عليه ما روى أنس " أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما «حم» فإنا لا نعرفها في لساننا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بدء أسماء وفواتح سور» " وقال الضحاك والكسائي: معناه قُضِي ما هو كائن. كأنه أراد الإشارة إلى تهجي «حمۤ» لأنها تصير حُمَّ بضم الحاء وتشديد الميم أي قُضِي ووَقَع. قال كعب بن مالك:
فلمّا تَلاَقَيْنا ودارت بِنَا الرَّحى   ولَيْسَ لأَمْرٍ حمَّه الله مَدْفَعُ
وعنه أيضاً: إن المعنى حُمَّ أمر الله أي قرب كما قال الشاعر:
قد حُمَّ يومِي فسُرَّ قومٌ   قومٌ بهم غَفْلَةٌ ونَومٌ
ومنه سمّيت الحُمَّى لأنها تقرّب من المنية. والمعنى المراد قرب نصره لأوليائه، وانتقامه من أعدائه كيوم بدر. وقيل: حروف هجاء قال الجرمي: ولهذا تقرأ ساكنة الحروف فخرجت مخرج التهجي، وإذا سميّت سورة بشيء من هذه الحروف أعربت فتقول قرأت «حۤم» فتنصب قال الشاعر:
يُذَكِّرني حاميمَ والرُّمحُ شاجِرٌ   فهلاَّ تلا حاميمَ قَبْلَ التَّقدُّمِ
وقرأ عيسى بن عمر الثقفي: «حۤم» بفتح الميم على معنى اقرأ حم أو لالتقاء الساكنين. ابن أبي إسحاق وأبو السَّمَّال بكسرها. والإمالة والكسر لالتقاء الساكنين، أو على وجه القسم. وقرأ أبو جعفر بقطع الحاء من الميم. الباقون بالوصل. وكذلك في «حۤم. عَسَقۤ». وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان بالإمالة في الحاء. وروي عن أبي عمرو بين اللفظين وهي قراءة نافع وأبي جعفر وشيبة. الباقون بالفتح مشبعاً. قوله تعالى: { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ } ابتداء والخبر { مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }. ويجوز أن يكون «تَنْزِيلُ» خبرا لمبتدأ محذوف أي هذا «تَنْزِيلُ الْكِتَابِ». ويجوز أن يكون «حمۤ» مبتدأ و«تَنْزِيلُ» خبره والمعنى: أن القرآن أنزله الله وليس منقولاً ولا مما يجوز أن يكذّب به. قوله تعالى: { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } قال الفراء: جعلها كالنعت للمعرفة وهي نكرة. وقال الزجاج: هي خفض على البدل. النحاس: وتحقيق الكلام في هذا وتلخيصه أن «غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ» يجوز أن يكونا معرفتين على أنهما لما مضى فيكونا نعتين، ويجوز أن يكونا للمستقبل والحال فيكونا نكرتين ولا يجوز أن يكونا نعتين على هذا ولكن يكون خفضهما على البدل، ويجوز النصب على الحال، فأما «شَدِيدِ الْعِقَابِ» فهو نكرة ويكون خفضه على البدل.

السابقالتالي
2 3