الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } * { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } * { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } * { وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } * { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

قوله تعالى: { يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } هذا من قول مؤمن آل فرعون، وفي قوله: «يَا قَوْمِ» دليل على أنه قبطي، ولذلك أضافهم إلى نفسه فقال: «يَا قَوْمِ» ليكونوا أقرب إلى قبول وعظه «لَكُمُ الْمُلْكُ» فاشكروا الله على ذلك. { ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ } أي غالبين وهو نصب على الحال أي في حال ظهوركم. والمراد بالأرض أرض مصر في قول السدي وغيره كقوله:وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ } [يوسف: 56] أي في أرض مصر. { فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا } أي من عذاب الله تحذيراً لهم من نقمه إن كان موسى صادقاً، فذكر وحذر فعلم فرعون ظهور حجته فقال: { مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ }. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما أشير عليكم إلا ما أرى لنفسي { وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } في تكذيب موسى والإيمان بي. قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ } زادهم في الوعظ { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } يعني أيام العذاب التي عذب فيها المتحزبون على الأنبياء المذكورين فيما بعد. قوله تعالى: { وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } زاد في الوعظ والتخويف وأفصح عن إيمانه، إما مستسلماً موطناً نفسه على القتل، أو واثقاً بأنهم لا يقصدونه بسوء، وقد وقاه الله شرهم بقوله الحق { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ }. وقراءة العامة «التناد» بتخفيف الدال وهو يوم القيامة قال أمية بن أبي الصَّلت:
وبَثَّ الخلْق فيها إِذْ دَحاها   فَهُمْ سُكَّانُها حتّى التَّنَاد
سمي بذلك لمناداة الناس بعضهم بعضاً فينادي أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم، وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار:أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً } [الأعراف: 44] وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة:أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ } [الأعراف: 50] وينادي المنادي أيضاً بالشقوة والسعادة: ألا إن فلان بن فلان قد شقى شقاوة لا يسعد بعدها أبداً، ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً. وهذا عند وزن الأعمال. وتنادي الملائكة أصحاب الجنةأَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الأعراف: 43] وينادي حين يذبح الموت: يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت. وينادي كل قوم بإمامهم إلى غير ذلك من النداء. وقرأ الحسن وابن السميقع ويعقوب وابن كثير ومجاهد: «يوم التَّنَاد» بإثبات الياء في الوصل والوقف على الأصل. وقرأ ابن عباس والضحاك وعكرمة «يوم التَّنَادِّ» بتشديد الدال. قال بعض أهل العربية: هذا لحن لأنه من نَدَّ يَنِدّ إذا مَرَّ على وجهه هارباً كما قال الشاعر:
وبَرْكٍ هُجُودٍ قَدْ أثارتْ مَخَافتِي   نَواديهَا أسْعى بِعَضْبٍ مُجَرَّدِ
قال: فلا معنى لهذا في القيامة. قال أبو جعفر النحاس: وهذا غلط والقراءة بها حسنة على معنى يوم التنافر.

السابقالتالي
2