قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } أي دلائل توحيده وقدرته { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً } جمع بين إظهار الآيات وإنزال الرزق لأن بالآيات قوام الأديان، وبالرزق قوام الأبدان. وهذه الآيات هي السموات والأرضون وما فيهما وما بينهما من الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والبخار والأنهار والعيون والجبال والأشجار وآثار قوم هلكوا. { وَمَا يَتَذَكَّرُ } أي ما يتعظ بهذه الآيات فيوحد الله { إِلاَّ مَن يُنِيبُ } أي يرجع إلى طاعة الله. { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ } أي اعبدوه { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي العبادة. وقيل: الطاعة. { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } عبادة الله فلا تعبدوا أنتم غيره. قوله تعالى: { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ } «ذُو الْعَرْشِ» على إضمار مبتدأ. قال الأخفش: ويجوز نصبه على المدح. ومعنى «رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ» أي رفيع الصفات. وقال ابن عباس والكلبي وسعيد بن جبير: رفيع السموات السبع. وقال يحيـى بن سلام: هو رفعة درجة أوليائه في الجنة فـ«ـرَفِيعُ» على هذا بمعنى رافع فعِيل بمعنى فاعل. وهو على القول الأول من صفات الذات، ومعناه الذي لا أرفع قدراً منه، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء، وهي أصنافها وأبوابها لا مستحق لها غيره قاله الحليمي. وقد ذكرناه في «الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» والحمد لله. «ذُو الْعَرْشِ» أي خالقه ومالكه لا أنه محتاج إليه. وقيل: هو من قولهم: ثُلَّ عرشُ فلان أي زال ملكه وعزه، فهو سبحانه { ذُو ٱلْعَرْشِ } بمعنى ثبوت ملكه وسلطانه وقد بيّناه في «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى». { يُلْقِي ٱلرُّوحَ } أي الوحي والنبوة «عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ»، وسمي ذلك روحاً لأن الناس يحيون به أي يحيون من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح. وقال ابن زيد: الروح القرآن قال الله تعالى:{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52]. وقيل: الروح جبريل قال الله تعالى:{ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ } [الشعراء: 193] وقال:{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } [النحل: 102]. { مِنْ أَمْرِهِ } أي من قوله. وقيل: من قضائه. وقيل: «مِنْ» بمعنى الباء أي بأمره. { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } وهم الأنبياء يشاء هو أن يكونوا أنبياء وليس لأحد فيهم مشيئة. { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } أي إنما يبعث الرسول لإنذار يوم البعث. فقوله: { لِيُنذِرَ } يرجع إلى الرسول. وقيل: أي لينذر الله ببعثه الرسل إلى الخلائق «يَوْمَ التَّلاَقِ». وقرأ ابن عباس والحسن وابن السَّمَيْقَع «لِتُنْذِرَ» بالتاء خطاباً للنبي عليه السلام. «يَوْمَ التَّلاَقِ» قال ابن عباس وقتادة: يوم تلتقي أهل السماء وأهل الأرض. وقال قتادة أيضاً وأبو العالية ومقاتل: يلتقي فيه الخلق والخالق. وقيل: العابدون والمعبودون. وقيل: الظالم والمظلوم. وقيل: يلقى كل إنسان جزاء عمله. وقيل: يلتقي الأولون والآخرون على صعيد واحد روي معناه عن ابن عباس.