الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

فيه سبع مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { وَمَن يَقْتُلْ } «من» شرط، وجوابه { فَجَزَآؤُهُ } وسيأتي. وٱختلف العلماء في صفة المتعمِّد في القتل فقال عطاء والنَّخَعيّ وغيرهما: هو من قَتل بحديدة كالسيف والخنجر وسِنان الرّمح ونحو ذلك من المشحوذ المُعَدّ للقطع أو بما يُعلم أن فيه الموتَ من ثقال الحجارة ونحوها. وقالت فرقة: المتعمّد كل مَن قتل بحديدة كان القتل أو بحجر أو بعصا أو بغير ذلك وهذا قول الجمهور. الثانية ـ ذكر الله عز وجل في كتابه العمد والخطأ ولم يذكر شِبْهَ العمد وقد اختلف العلماء في القول به فقال ابن المنذر: أنكر ذلك مالك، وقال: ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ. وذكره الخَطّابِيّ أيضاً عن مالك وزاد: وأما شبه العمد فلا نعرفه. قال أبو عمر: أنكر مالك والليث بن سعد شبه العمد فمن قُتل عندهما بما لا يَقتل مثلُه غالباً كالعَضّة واللّطْمة وضربة السوط والقَضِيب وشبه ذلك فإنه عَمْد وفيه القَوَد. قال أبو عمر: وقال بقولهما جماعة من الصحابة والتابعين. وذهب جمهور فقهاء الأمصار إلى أن هذا كلّه شبهُ العمد. وقد ذُكر عن مالك وقاله ابن وهب وجماعة من الصحابة والتابعين. قال ابن المنذر: وشبه العمد يُعمل به عندنا. وممن أثبت شِبْهَ العَمْد الشَّعْبيُّ والحَكَم وحمّاد والنَّخَعيّ وقَتادةُ وسفيان الثَّوْرِيّ وأهلُ العراق والشافعيّ، وروينا ذلك عن عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما. قلت: وهو الصحيح فإن الدماء أحقُّ ما ٱحتِيط لها إذ الأصل صيانتها في أُهُبِها، فلا تُستباح إلا بأمر بيِّن لا إشكال فيه، وهذا فيه إشكال لأنه لمّا كان متردّداً بين العَمْد والخطأ حكم له بشبه العمد فالضرب مقصود والقتل غير مقصود، وإنما وقع بغير القصد فيسقط القَوَد وتُغلّظ الديّة. وبمثل هذا جاءت السنة روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألاَ إن دِيَةَ الخطأ شبهِ العمد ما كان بالسوط والعصا مائةٌ من الإبل منها أربعون في بطونها أولادُها " وروى الدّارَقُطْنِيّ عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العَمْد قَوَد اليد والخطأ عقل لا قود فيه ومن قُتل في عِميَّة بحجر أو عصا أو سوط فهو دية مغلظة في أسنان الإبل " وروي أيضاً من حديث سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عقل شبه العمد مغلّظ مثلُ قتل العمد ولا يقتل صاحبه " وهذا نصّ. وقال طاوس في الرجل يصاب في الرِّميا في القتال بالعصا أو السوط أو الترامي بالحجارة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6