الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً }

فيه خمس مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } أي تمنّوا أن تكونوا كَهُم في الكفر والنفاق شَرَعٌ سواء، فأمر الله تعالى بالبراءة منهم فقال: { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } كما قال تعالى:مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } [الأنفال: 72] والهجرة أنواع: منها الهجرة إلى المدينة لنُصرة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه واجبة أوّل الإسلام حتى قال: " لا هجرة بعد الفتح " وكذلك هجرة المنافقين مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الغزوات، وهجرة من أسلم في دار الحرب فإنها واجبة. وهجرة المسلم ما حرّم الله عليه كما قال صلى الله عليه وسلم: " والمهاجر من هجر ما حرم الله عليه " وهاتان الهجرتان ثابتتان الآن. وهجرة أهل المعاصي حتى يرجعوا تأديباً لهم فلا يُكَلَّمون ولا يخالَطون حتى يتوبوا كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم مع كعب وصاحبيْه. { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ } يقول: إن أعرضوا عن التوحيد والهجرة فأسروهم واقتلوهم. { حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } عامّ في الأماكن من حِلٍّ وحَرَم. والله أعلم. ثم استثنى وهي: الثانية ـ فقال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ } أي يتَّصلون بهم ويدخلون فيما بينهم من الجوار والحلف المعنى: فلا تقتلوا قوماً بينهم وبين مَن بينكم وبينهم عهدٌ فإنهم على عهدهم ثم انتسخت العهود فانتسخ هذا. هذا قول مجاهد وابن زيد وغيرهم، وهو أصح ما قيل في معنى الآية. قال أبو عبيد: يَصِلون ينتسبون ومنه قول الأعشى:
إذا ٱتَّصَلَتْ قالتْ لبكرِ بن وائلٍ   وَبَكْرٌ سَبَتْها والأنوف رواغِمُ
يريد إذا ٱنتسبَتْ. قال المهدوِيّ: وأنكره العلماء لأن النسب لا يمنع من قتال الكفار وقتلهم. وقال النحاس: وهذا غلط عظيم لأنه يذهب إلى أن الله تعالى حظر أن يُقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب، والمشركون قد كان بينهم وبين السابقين الأوّلين أنساب، وأشد من هذا الجهلُ بأنه كان ثم نُسخ لأن أهل التأويل مجمعون على أن الناسخ له «بَرَاءَةٌ» وإنما نزلت «براءة» بعد الفتح وبعد أن انقطعت الحروب. وقال معناه الطبريّ. قلت: حمل بعض العلماء معنى ينتسبون على الأمان أي إن المنتسب إلى أهل الأمان آمِنٌ إذا أمن الكل منهم، لا على معنى النسب الذي هو بمعنى القرابة. واختُلف في هؤلاء الذين كان بينهم وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم ميثاق فقيل: بنو مُدْلجٍ. عن الحسن: كان بينهم وبين قريش عقد، وكان بين قريش وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد. وقال عِكرمة: نزلت في هلال بن عُويمر وسُراقة بن جُعْشُم وخُزيمة بن عامر بن عبد مناف كان بينهم وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم عهد.

السابقالتالي
2