الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

فيه أربع مسائل: الأولى ـ بيّن الله تعالى أن من لم يستحق شيئاً إرثاً وحضر القسمة، وكان من الأقارب أو اليتامى والفقراء الذين لا يرثون أن يكرموا ولا يحرموا، إن كان المال كثيراً والاعتذار إليهم إن كان عقاراً أو قليلاً لا يقبل الرّضخ. وإن كان عطاء من القليل ففيه أجر عظيم درهم يسبق مائة الف. فالآية على هذا القول مُحْكَمَةٌ قاله ابن عباس. وامتثل ذلك جماعة من التابعين: عروة بن الزبير وغيره، وأمر به أبو موسى الأشعري. وروي عن ابن عباس أنها منسوخة نسخها قوله تعالى: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ }. وقال سعيد بن المسيب: نسخها آية الميراث والوصية. وممن قال إنها منسوخة أبو مالك وعِكرمة والضحاك. والأوّل أصح فإنها مبيِّنة استحقاق الورثة لنصيبهم، واستحباب المشاركة لمن لا نصيب له ممن حضرهم. قال ابن جبير: ضيّع الناس هذه الآية. قال الحسن: ولكن الناس شحّوا. وفي البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى: { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ } قال: هي محكمة وليست بمنسوخة. وفي رواية قال: إن ناساً يزعمون أن هذه الآية نسخت، لا والله ما نُسخت! ولكنها مما تهاون بها هما واليِان: والٍ يرث وذلك الذي يرزق، ووالٍ لا يرث وذلك الذي يقول بالمعروف، ويقول: لا أملك لك أن أعطيك. قال ابن عباس: أمر الله المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يِصلوا أرحامهم، ويتاماهم ومساكينهم من الوصية، فإن لم تكن وصية وصل لهم من الميراث. قال النحاس: فهذا أحسن ما قيل في الآية، أن يكون على الندب والترغيب في فعل الخير، والشكر لله عز وجل. وقالت طائفة: هذا الرضْخُ واجب على جهة الفرض، تُعطِي الورثة لهذه الأصناف ما طابت به نفوسهم، كالماعُون والثوب الخَلَق وما خفّ. حكى هذا القول ابن عطية والقشيري. والصحيح أن هذا على الندب لأنه لو كان فرضاً لكان استحقاقاً في التركة ومشاركة في الميراث، لأحد الجهتين معلوم وللآخر مجهول. وذلك مناقض للحكمة، وسبب للتنازع والتقاطع. وذهبت فرقة إلى أن المخاطب والمراد في الآية المحتَضَرُون الذين يقسمون أموالهم بالوصية، لا الورثَةُ. وروي عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وابن زيد. فإذا أراد المريض أن يفرّق ماله بالوصايا وحضره من لا يرث ينبغي له ألاّ يحرمه. وهذا ـ والله أعلم. يتنزل حيث كانت الوصية واجبة، ولم تنزل آية الميراث. والصحيح الأوّل وعليه المعوّل. الثانية ـ فإذا كان الوارث صغيراً لا يتصرّف في ماله فقالت طائفة: يعطى ولي الوارث الصغير من مال محجوره بقدر ما يرى. وقيل: لا يعطى بل يقول لمن حضر القسمة: ليس لي شيء من هذا المال إنما هو لليتيم، فإذا بلغ عرّفتُه حقَّكم.

السابقالتالي
2