الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً }

فيه خمس مسائل: الأولى ـ لما ذكر الله تعالى أمر اليتامى وصله بذكر المواريث. ونزلت الآية في أوس بن ثابت الأنصاري، توفي وترك امرأة يقال لها: أمّ كُجَّة وثلاث بنات له منها فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصِياه يقال لهما: سُويْد وعرْفَجَة فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئاً، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً، ويقولون: لا يُعطَى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة. فذكرت أمّ كُجّة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما، فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرساً، ولا يحمل كَلاًّ ولا يَنْكَأُ عدوّا. فقال عليه السلام: " انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن " فأنزل الله هذه الآية ردّا عليهم، وإبطالاً لقولهم وتصرفهم بجهلهم فإن الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونوا أحق بالمال من الكبار، لعدم تصرفهم والنظر في مصالحهم، فعكسوا الحكم، وأبطلوا الحِكمة فضلوا بأهوائهم، وأخطئوا في آرائهم وتصرفاتهم. الثانية ـ قال علماؤنا: في هذه الآية فوائد ثلاث: إحداهاـ بيان علة الميراث وهي القرابة. الثانية ـ عموم القرابة كيفما تصرّفت من قريب أو بعيد. الثالثة ـ إجمال النصيب المفروض. وذلك مبين في آية المواريث فكان في هذه الآية توطئة للحكم، وإبطال لذلك الرأي الفاسد حتى وقع البيان الشافي. الثالثة ـ ثبت أن أبا طلحة لما تصدق بماله ـ بَئرَحَاء ـ وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال له: " اجعلها في فقراء أقاربك " فجعلها لحسّان وأبي. قال أنس: وكانا أقرب إليه منِّي. قال أبو داود: بلغني عن محمد بن عبدالله الأنصاري أنه قال: أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي ابن عمرو بن مالك بن النجار. وحسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام يجتمعان في الأب الثالث وهو حرام. وأبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار. قال الأنصاري بين أبي طلحة وأبي ستة آباء. قال: وعمرو بن مالك يجمع حسان وأبيّ بن كعب وأبا طلحة. قال أبو عمر في هذا ما يقضي على القرابة أنها ما كانت في هذا القُعْدُدِ ونحوه، وما كان دونه فهو أحرى أن يلحقه اسم القرابة. الرابعة ـ قوله تعالى: { مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } أثبت الله تعالى للبنات نصيباً في الميراث ولم يبين كم هو فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سُوَيد وعَرْفَجة ألاّ يفرّقا من مال أَوسٍ شيئاً فإن الله جعل لبناته نصيباً ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا.

السابقالتالي
2