الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَٰناً وَتَوْفِيقاً } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً }

أي { فَكَيْفَ } يكون حالهم، أو { فَكَيْفَ } يصنعون { إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ } أي مِن ترك الاستعانة بهم، وما يلحقهم من الذل في قوله:فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [التوبة: 83]. وقيل: يريد قتل صاحبهم { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } وتم الكلام. ثم ٱبتدأ يُخبر عن فعلهم وذلك أن عمر لما قَتَل صاحبَهم جاء قومُه يطلبون دِيتَه ويحلفون ما نريد بطلب دِيته إلاَّ الإحسان وموافقة الحقّ. وقيل: المعنى ما أردنا بالعدول عنك في المحاكمة إلاَّ التوفيق بين الخصوم، والإحسان بالتقريب في الحكم. ٱبن كَيْسان عدلاً وحقاً نظيرهاوَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } [التوبة: 107] فقال الله تعالىٰ مكذِّباً لهم: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } قال الزجاج: معناه قد علم الله أنهم منافقون. والفائدة لنا: اعلموا أنهم منافقون. { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } قيل: عن عقابهم. وقيل: عن قبول ٱعتذارهم { وَعِظْهُمْ } أي خوّفهم. قيل في المَلأَ. { وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } أي ٱزجرهم بأبلغ الزّجر في السرّ والخلاء. الحسن: قل لهم إن أظهرتم ما في قلوبكم قَتَلتكُم. وقد بلغ القول بلاغة ورجل بليغٌ يَبلغُ بلسانه كُنْه ما في قلبه. والعرب تقول: أَحْمَقُ بَلْغٌ وبِلْغٌ، أي نهاية في الحَمَاقة. وقيل: معناه يبلغ ما يريد وإن كان أَحْمَقَ. ويقال: إن قوله تعالىٰ: { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } نزل في شأن الذين بَنَوْا مسجد الضِّرار فلما أظهر الله نفاقهم، وأمرهم بهدم المسجد حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعاً عن أنفسهم: ما أردنا ببناء المسجد إلاَّ طاعة الله وموافقة الكتاب.