الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً }

روى يزيد بن زُريع عن داود بن أبي هند عن الشّعبيّ قال: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فدعا اليهوديُّ المنافق إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه علم أنه لا يقبل الرّشْوة. ودعا المنافق اليَهوديَّ إلى حكامهم لأنه علم أنهم يأخذون الرّشوة في أحكامهم فلما اختلفا ٱجتمعا على أن يُحكّما كَاهِناً في جُهينة فأنزل الله تعالىٰ في ذلك: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } يعني المنافق. { وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } يعني اليهودي. { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ } إلى قوله: { وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } وقال الضحاك: دعا اليهوديُّ المنافق إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، ودعاه المنافقُ إلى كعب بن الأشرف وهو { ٱلطَّاغُوتِ }. ورواه أبو صالح عن ٱبن عباس قال: " كان بين رجل من المنافقين ـ يُقال له بشر ـ وبين يهوديّ خصومة فقال اليهوديّ: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف ـ وهو الذي سمّاه الله { ٱلطَّاغُوتِ } أي ذو الطغيان فأبى اليهوديّ أن يخاصمه إلاَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى ذلك المنافق أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لليهوديّ. فلما خرجا قال المنافق: لا أرضى، ٱنطلق بنا إلى أبي بكر فحكم لليهوديّ فلم يرض ـ ذكره الزّجّاج ـ وقال: ٱنطلق بنا إلى عمر فأقبلا على عمر فقال اليهوديّ: إنا صرّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى أبي بكر فلم يرض فقال عمر للمنافق: أكذاك هو؟ قال: نعم. قال: رُويْدَكُما حتى أخرج إليكما. فدخل وأخذ السّيف ثم ضرب به المنافق حتى بَردَ، وقال: هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله وَهَرب اليهوديّ، ونزلت الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت الفَارُوق». ونزل جبريل وقال: إن عمر فَرّق بين الحقّ والباطل " فسُمِّي الفاروق. وفي ذلك نزلت الآيات كلّها إلى قوله: { وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } وٱنتصب: { ضَلاَلاً } على المعنى، أي فيضلون ضلالاً ومثله قوله تعالىٰ:وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح: 17]. وقد تقدّم هذا المعنى مستوفى. و { صُدُوداً } ٱسم للمصدر عند الخليل، والمصدر الصدّ. والكوفيون يقولون: هما مصدران.