الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } * { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } * { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } إلى قوله تعالى: { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } الآية. نزلت في يهود المدينة وما وَالاها. قال ٱبن إسحاق: وكان رِفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهودَ، إذا كلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوّى لسانه وقال: أرْعِنا سمَعْك يا محمد حتى نفهمك ثم طعن في الإسلام وعابه فأنزل الله عز وجل { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } إلى قوله { قَلِيلاً }. ومعنى { يَشْتَرُونَ } يستبدلون فهو في موضع نصب على الحال، وفي الكلام حذف تقديره يشترون الضلالة بالهدى كما قال تعالىأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرُواْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } [البقرة: 16] قاله القتبيّ وغيره. { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } عطف عليه، والمعنى تضِلوا طريق الحق. وقرأ الحسن: «تُضَلُّوا» بفتح الضاد أي عن السبيل. قوله تعالى: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ } يريد منكم فلا تستصحبوهم فإنهم أعداؤكم. ويجوز أن يكون «أعلم» بمعنى عليم كقوله تعالىوَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [الروم: 27] أي هيّن. { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً } الباء زائدة زيدت لأن المعنى ٱكتفوا بالله فهو يكفيكم أعداءكم. و «وَلِيّاً» و «نَصِيراً» نصب على البيان، وإن شئت على الحال. قوله تعالى: { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } قال الزجاج: إن جُعلت { مِّنَ } متعلقة بما قبل فلا يوقف على قوله { نَصِيراً } ، وإن جعلت منقطعة فيجوز الوقف على { نَصِيراً } والتقدير من الذين هادوا قوم يحرّفون الكلم ثم حذف. وهذا مذهب سيبويه، وأنشد النحويون:
لو قلت ما في قومها لم تيثَمِ   يفضُلها في حسبٍ وَمَبْسِمِ
قالوا: المعنى لو قلت ما في قومها أحد يفضُلها ثم حذف. وقال الفراء: المحذوف { مِّنَ } المعنى: مِن الذين هادوا مَن يحرّفون. وهذا كقوله تعالى:وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164] أي مَن له. وقال ذو الرُّمَّة:
فظَلّوا ومِنهم دَمْعُه سابقٌ له   وآخر يُذْرِي عَبْرةَ العَيْن بالهَمْلِ
يريد ومنهم مَن دمعه، فحذف الموصول. وأنكره المبرّد والزجاج لأن حذف الموصول كحذف بعض الكلمة. وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَميّ وإبراهيم النَّخَعِيّ «الكَلاَمَ». قال النحاس: و «الكَلِم» في هذا أوْلى لأنهم إنما يحرّفون كلم النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو ما عندهم في التوراة وليس يحرّفون جميع الكلام، ومعنى { يُحَرِّفُونَ } يتأوّلونه على غير تأويله. وذَمّهم الله تعالى بذلك لأنهم يفعلونه متعمدين. وقيل: { عَن مَّوَاضِعِهِ } يعني صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم. { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي سمعنا قولك وعصينا أمرك. { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } قال ٱبن عباس: كانوا يقولون للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ٱسمع لا سمعتَ، هذا مرادهم ـ لعنهم الله ـ وهم يظهرون أنهم يريدون ٱسمع غير مسمَع مكروها ولا أذًى. وقال الحسن ومجاهد: معناه غير مسمع منك، أي مقبول ولا مجاب إلى ما تقول.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7