الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

فيه عشر مسائل: الأُولى ـ لما أمر الله تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم في قوله { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } [النساء: 2] وإيصال الصّدُقات إلى الزوجات، بيّن أن السفيه وغيرَ البالغ لا يجوز دفعُ ماله إليه. فدلّت الآية على ثبوت الوَصيّ والوَلِيّ والكفيل للأيتام. وأجمع أهل العلم على أن الوصية إلى المسلم الحرّ الثّقةِ العدل جائزةٌ. وٱختلفوا في الوصيّة إلى المرأة الحرة فقال عَوَامّ أهل العلم: الوصيّة لها جائزةٌ. وٱحتجّ أحمد بأن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة. ورُوي عن عطاء بن أبي رَباح أنه قال في رجل أوْصى إلى ٱمرأته قال: لا تكون المرأة وصيّاً فإن فعل حُوّلت إلى رجل من قومه. وٱختلفوا في الوصيّة إلى العبد، فمنعه الشافعيّ وأبو ثور ومحمد ويعقوب. وأجازه مالك والأوزاعيّ وابن عبد الحَكَم. وهو قول النخعِيّ إذا أوصى إلى عبده. وقد مضى القول في هذا في «البقرة» مستوفى. الثانية ـ قوله تعالى: { ٱلسُّفَهَآءَ } قد مضى في «البقرة» معنى السّفَه لغة. وٱختلف العلماء في هؤلاء السفهاء، مَن هم؟ فروى سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم. قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في الآية. وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك قال: هم الأولاد الصغار، لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها وتبقوا بلا شيء. وروى سفيان عن حُميد الأعرج عن مجاهد قال: هم النساء. قال النحاس وغيره وهذا القول لا يصح إنما تقول العرب في النساء سفائه أو سِفيهات لأنه الأكثر في جمع فعِيلة. ويقال: لا تدفع مالك مضاربة ولا إلى وكيل لا يحسن التجارة. وروي عن عمر أنه قال: من لم يتفقَّه فلا يتّجر في سوقنا فذلك قوله تعالى: { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } يعني الجهال بالأحكام. ويقال: لا تدفع إلى الكفار ولهذا كره العلماء أن يوكِّل المسلم ذِمياً بالشراء والبيع، أو يدفع إليه مضاربة. وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: السفهاء هنا كل من يستحق الحجْر. وهذا جامع. وقال ابن خويزِ منداد: وأما الحجر على السفيه فالسفيه له أحوال: حال يحجر عليه لصغره، وحالة لعدم عقله بجنون أو غيره، وحالة لسوء نظره لنفسه في ماله. فأما المُغْمَى عليه فاستحسن مالك ألاّ يحجر عليه لسرعة زوال ما به. والحجر يكون مرة في حق الإنسان ومرة في حق غيره فأما المحجور عليه في حق نفسه من ذكرنا. والمحجور عليه في حق غيره العبد والمِديان والمرِيض في الثلثين، والمفلس وذات الزوج لحقِّ الزوج، والبكر في حق نفسها. فأما الصغير والمجنون فلا خلاف في الحجر عليهما. وأما الكبير فلأنه لا يحسن النظر لنفسه في ماله، ولا يؤمن منه إتلاف ماله في غير وجهٍ، فأشبه الصبيّ وفيه خلاف يأتي.

السابقالتالي
2 3 4 5