الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

فيه أربع وأربعون مسألة: الأولى ـ قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } خص الله سبحانه وتعالى بهذا الخطاب المؤمنين لأنهم كانوا يقيمون الصلاة وقد أخذوا من الخمر وأتلفَتْ عليهم أذهانَهم فخصُّوا بهذا الخطاب إذ كان الكفار لا يفعلونها صُحاة ولا سكارى. روى أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافياً فنزلت الآية التي في البقرةيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [البقرة: 219] قال: فدُعِي عمر فقُرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في النساء { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي: ألاَ لا يقربنّ الصلاة سكران. فدعي عمر فقُرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت هذه الآية:فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [المائدة: 91] قال عمر: انتهينا. وقال سعيد بن جبير: كان الناس على أمر جاهليتهم حتى يؤمروا أو ينهوا، فكانوا يشربونها أوّل الإسلام حتى نزلت: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } قالوا: نشربها للمنفعة لا للإثم فشربها رجل فتقدّم يصلي بهم فقرأ قل يأيها الكافرون أعبد ما تعبدون فنزلت: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ }. فقالوا: في غير عين الصلاة. فقال عمر: اللهم أنزل علينا في الخمر بياناً شافياً فنزلت:إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ } [المائدة: 91] الآية. فقال عمر: ٱنتهينا. ٱنتهينا. ثم طاف منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن الخمر قد حُرِّمَتْ على ما يأتي بيانه في «المائدة» إن شاء الله تعالى: وروى الترمذي عن علي بن أبي طالب قال: صنع لنا عبدالرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدّموني فقرأتقُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } [الكافرون: 2] ونحن نعبد ما تعبدون. قال: فأنزل الله تعالى { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ }. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. ووجه الاتصال والنظم بما قبله أنه قال سبحانه وتعالى:وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [النساء: 36.] ثم ذكر بعد الإيمان الصلاةَ التي هي رأس العبادات ولذلك يُقتل تاركُها ولا يسقط فرضها، وانجرّ الكلام إلى ذكر شروطها التي لا تصح إلا بها. الثانية ـ والجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء على أن المراد بالسكر سكر الخمر إلا الضحاك فإنه قال: المراد سكر النوم لقوله عليه السلام: " إذا نعس أحدكم في الصلاة فلْيرقُدْ حتى يذهب عنه النوم، فإنه لا يدري لعلّه يستغفر فيَسبّ نفسه "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد