الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً }

فيه مسألتان: الأولى ـ قوله تعالى { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ } الآية. عطف تعالى على { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ }: { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ }. وقيل هو عطف على الكافرين، فيكون في موضع خفض. ومن رأى زيادة الواو أجاز أن يكون الثاني عنده خبراً للأوّل. قال الجمهور نزلت في المنافقين لقوله تعالى: { رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ } والرئاء من النفاق. مجاهد: في اليهود. وضعّفه الطبري لأنه تعالى نفى عن هذه الصِّنْفة الإيمان بالله واليوم الآخر، واليهود ليس كذلك. قال ابن عطية: وقول مجاهد متّجِه على المبالغة والإلزام إذ إيمانهم باليوم الآخر كلا إيمان من حيث لا ينفعهم. وقيل: نزلت في مُطْعِمِي يوم بَدْر، وهم رُؤساء مكة أنفقوا على الناس ليخرجوا إلى بدر. قال ابن العربي: ونفقة الرئاء تدخل في الأحكام من حيث إنها لا تجزىء. قلت: ويدل على ذلك من الكتاب قوله تعالى:قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } [التوبة: 53] وسيأتي. الثانية ـ قوله تعالى: { وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } في الكلام إضمار تقديره { وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } فقرينهم الشيطان { وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قَرِيناً }. والقرين: المقارن، أي الصاحب والخليل وهو فعيل من الإقران قال عدي ابن زيد:
عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قَرِينه   فكُّل قَرينٍ بالمقارنِ يَقْتَدي
والمعنى من قَبِلَ مِنْ الشيطان في الدّنيا فقد قارنه. ويجوز أن يكون المعنى من قُرِن به الشيطان في النار «فساء قَرِيناً» أي فبئس الشيطان قريناً، وهو نصب على التمييز.