الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }

فيه إحدى عشرة مسألة: الأولى ـ قوله تعالى: { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } ابتداء وخبر، أي يقومون بالنفقة عليهن والذَّب عنهن وأيضاً فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء. يقال: قوّام وقَيِّم. والآية نزلت في سعد بن الربيع نَشَزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبي زهير فلطمها فقال أبوها: " يا رسول الله، أفرشتهُ كريمتي فلطمهاٰ فقال عليه السلام: «لِتَقْتَصّ من زوجها». فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه، فقال عليه السلام: «ارجعوا: هذا جبريل أتاني» فأنزل الله هذه الآية فقال عليه السلام: «أردنا أمْرّاً وأراد الله غيره» " وفي رواية أُخرى " أردتُ شيئاً وما أراد الله خير " ونقض الحكم الأوّل. وقد قيل: إن في هذا الحكم المردود نزلوَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114]. ذكر إسماعيل بن إسحاق قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال وعارِم بن الفَضْل ـ واللفظ لحجاج ـ قال حدّثنا جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول: " إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زَوْجي لطم وجهي. فقال: «بينكما القصاص» " ، فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ }. وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل: { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ }. وقال أبو رَوْق: نزلت في جميلة بنت أبيّ وفي زوجها ثابت بن قيس بن شمّاس. وقال الكلبي: نزلت في عميرة بنت محمد بن مسلمة وفي زوجها سعد بن الربيع. وقيل سببها قولُ أمِّ سلمة المتقدّم. ووجه النظم أنهنّ تكلمنّ في تفضيل الرجال على النساء في الإرث، فنزلت «وَلاَ تَتَمَنَّوا» الآية. ثم بيّن تعالى أنّ تفضيلهم عليهنّ في الإرث لِما على الرجال من المهر وٱلإنفاق ثم فائدة تفضيلهم عائدةٌ إليهنّ. ويقال: إن الرجال لهم فضيلة في زيادة العقل والتدبير فجعل لهم حق القيام عليهنّ لذلك. وقيل: للرجال زيادة قوّة في النفس والطبع ما ليس للنساء لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة، فيكون فيه قوّة وشدّة، وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة، فيكون فيه معنى اللين والضعف فجعل لهم حق القيام عليهنّ بذلك، وبقوله تعالى: { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ }. الثانية ـ ودّلت هذه الآية على تأديب الرجال نساءَهم، فإذا حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسيء الرّجل عِشرتها. و «قَوّام» فعّال للمبالغة من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد. فقيام الرّجال على النساء هو علىٰ هذا الحد وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز وأنْ عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة والعقل والقوّة في أمر الجهاد والميراث والأمر بالمعروف وٱلنهي عن المنكر.

السابقالتالي
2 3 4 5