الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }

وقال أبو منصور الُّلغَوِي: النشوز كراهيةُ كلِّ واحد من الزوجين صاحبَه يقال: نشزت تنشِز فهي ناشِز بغير هاء. ونَشَصت تنشص، وهي السيئة للعشرة. وقال ابن فارس: ونشزت المرأة استصعبت على بعلها، ونشز بعلها عليها إذا ضربها وجفاها. قال ابن دُرَيد: نشزت المرأة ونشست ونشصت بمعنًى واحد. السادسة ـ قوله تعالى: { فَعِظُوهُنَّ } أي بكتاب الله أي ذكّروهن ما أوجب الله عليهن من حسن الصحبة وجميل العِشرة للزوج، والاعتراف بالدرجة التي له عليها، ويقول: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " وقال: " لا تمنعه نفسَها وإن كانت على ظهر قَتَبٍ " وقال: " أيُّما ٱمرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبِح " في رواية " حتى تراجع وتضع يدها في يده " وما كان مثل هذا. السابعة ـ قوله تعالى: { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ } وقرأ ابن مسعود والنَّخَعِيّ وغيرهما «في المضجع» على الإفراد كأنه اسم جنس يؤدّي عن الجمع. والهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويُولِيها ظهره ولا يجامعها عن ابن عباس وغيره. وقال مجاهد: جنِّبوا مضاجِعهن فيتقدّر على هذا الكلام حذف، ويَعضُده «اهجروهن» من الهجران، وهو البعد يقال: هجره أي تباعد ونأى عنه. ولا يمكن بُعْدُها إلا بترك مضاجعتها. وقال معناه إبراهيم النَّخعِي والشّعبِيّ وقَتادة والحسن البصريّ، ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك، وٱختاره ابن العربي وقال: حَملُوا الأمر على الأكثر المُوفي. ويكون هذا القول كما تقول: ٱهجره في الله. وهذا أصل مالك. قلت: هذا قول حَسَن فإن الزوج إذا أعرض عن فراشها فإن كانت محبة للزوج فذلك يشقّ عليها فترجع للصلاح، وإن كانت مُبغِضة فيظهر النشوز منها فيتبيّن أن النشوز من قِبَلها. وقيل: «اهجروهن» من الهُجر وهو القبيح من الكلام، أي غلِّظوا عليهن في القول وضاجعوهن للجماع وغيره قال معناه سفيان، وروي عن ابن عباس. وقيل: أي شدّوهن وثَاقاً في بيوتهن من قولهم: هجرَ البعيرَ أي ربطه بالهِجار، وهو حبل يُشدّ به البعير، وهو اختيار الطبري وقدح في سائر الأقوال. وفي كلامه في هذا الموضع نظر. وقد ردّ عليه القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه فقال: يا لها من هفوة من عالم بالقرآن والسنة! والذي حمله على هذا التأويل حديثٌ غريب رواه ابن وهبٍ عن مالك أن أسماء بنت أبي بكر الصدّيق ٱمرأةَ الزبير بن العوّام كانت تخرج حتى عوتب في ذلك. قال: وعتب عليها وعلى ضَرّتها، فعقد شعر واحدة بالأُخرى ثم ضربهما ضرباً شديداً، وكانت الضرّة أحسن ٱتقاء، وكانت أسماء لا تتّقي فكان الضرب بها أكثر فشكَتْ إلى أبيها أبي بكر رضي الله عنه فقال لها: أيّ بُنيّة ٱصبِري فإن الزّبير رجل صالح، ولعلّه أن يكون زوجَك في الجنة ولقد بلغني أن الرجل إذا ٱبتكر بٱمرأة تزوّجها في الجنة.

PreviousNext
1 2 4 5