الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ }

فيها أربع عشرة مسألة: الأُولى ـ قوله تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ } شرط، وجوابه «فَانْكِحُوا». أي إن خفتم ألا تعدلوا في مهورهن وفي النفقة عليهن، { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } أي غيرهن. وروى الأئمة واللفظ لمسلم عن عروة بن الزبير عن عائشة في قول الله تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } قالت: يا ابن أُختي هي اليتيمة تكون في حِجر وَلِيِّها تشاركه في ماله فيُعجِبُه مالُها وجمالُها فيريد ولِيُّها أن يتزوّجها من غير أن يُقسِط في صداقها فيُعطِيَها مثل ما يعطِيها غيره، فنُهوا أن ينكِحوهنّ إلاّ أن يُقسطوا لهن ويبلغُوا بهنّ أعلى سُنّتهن من الصّدَاق وأُمِروا أن يَنكِحوا ما طاب لهم من النساء سِواهنّ. وذكر الحديث. وقال ابن خُويْزِ مَنْدَادَ: ولهذا قلنا إنه يجوز أن يشتري الوصيّ من مال اليتيم لنفسه، ويبيع من نفسه من غير مُحَابَاة. وللموكل النظرُ فيما اشترى وكيلُه لنفسه أو باع منها. وللسلطان النظرُ فيما يفعله الوصيّ من ذلك. فأما الأب فليس لأحد عليه نظر ما لم تظهر عليه المحاباة فيعترض عليه السلطان حينئذ وقد مضى في «البقرة» القول في هذا. وقال الضحاك والحسن وغيرهما: إن الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أوّل الإسلام من أن للرجل أن يتزوّج من الحرائر ما شاء، فقصرتهنّ الآية على أربع. وقال ابن عباس وابن جبير وغيرهما: المعنى وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء لأنهم كانوا يتحرّجون في اليتامى ولا يتحرّجون في النساء و «خِفْتُمْ» من الأضداد فإنه يكون المخوف منه معلوم الوقوع، وقد يكون مظنوناً فلذلك اختلف العلماء في تفسير هذا الخوف. فقال أبو عبيدة: «خِفْتُمْ» بمعنى أيقنتم. وقال آخرون: «خِفتم» ظننتم. قال ابن عطية: وهذا الذي ٱختاره الحُذّاق، وأنه على بابه من الظن لا من اليقين. التقدير من غلب على ظنه التقصير في القسط لليتيمة فليعدِل عنها. و «تقسِطوا» معناه تعدلوا. يقال: أقسط الرجل إذا عدل. وقَسَط إذا جار وظلم صاحبَه. قال الله تعالى:وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [الجن: 15] يعني الجائرون. وقال عليه السلام: " المقسطون في الدين على منابر من نور يوم القيامة " يعني العادلين. وقرأ ابن وَثّاب والنخعيّ «تَقْسِطُوا» بفتح التاء من قَسَط على تقدير زيادة «لا» كأنه قال: وإن خفتم أن تجوروا. الثانية ـ قوله تعالى: { فَٱنْكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } إن قيل: كيف جاءت { ما } للآدميِّين وإنما أصلها لما لا يعقِل فعنه أجوبة خمسةٌ: الأوّل ـ أنّ { مَنْ } و «مَا» قد يتعاقبان قال الله تعالى:وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } [الشمس: 5] أي ومَن بناها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9