الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }

فيه تسع مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { بِٱلْبَاطِلِ } أي بغير حق. ووجوه ذلك تكثر على ما بيناه وقد قدّمنا معناه في البقرة. ومِن أكل المال بالباطل بَيْعُ العُربَان وهو أن يأخذ منك السلعة أو يكتَري منك الدابة ويعطيك درهماً فما فوقه، على أنه إن اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كِراء الدابة وإن ترك ابتياع السلعة أو كِراء الدابة فما أعطاك فهو لك. فهذا لا يصلح ولا يجوز عند جماعة فقهاء الأمصار من الحجازيين والعراقيين، لأنه من باب بيع القِمار والغَرَر والمخاطرة، وأكلِ المال بالباطل بغير عِوض ولا هبة، وذلك باطل بإجماع. وبيع العُرْبان مفسوخ إذا وقع على هذا الوجه قبل القبض وبعده، وتردّ السلعة إن كانت قائمة، فإن فاتت ردّ قيمتها يوم قبضها. وقد رُوي عن قوم منهم ابن سِيرين ومجاهد ونافع بن عبد الحارث وزيد بن أسلم أنهم أجازوا بيع العربان على ما وصفنا. وكان زيد بن أسلم يقول: أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو عمر: هذا لا يُعرف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من وجه يصحّ، وإنما ذكره عبد الرزاق عن الأسلمي عن زيد بن أسلم مُرْسَلاً وهذا ومثله ليس حجة. ويحتمل أن يكون بيع العربان الجائز على ما تأوّله مالك والفقهاء معه وذلك أن يُعَرْبِنه ثم يحسب عُرْبانه من الثمن إذا ٱختار تمام البيع. وهذا لا خلاف في جوازه عن مالك وغيره وفي موطّأ مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن بيع العربان» " قال أبو عمر: قد تكلم الناس في الثقة عنده في هذا الموضع، وأشبه ما قيل فيه: أنه أخذه عن ابن لَهِيعة أو عن ابن وهب عن ابن لهيعة لأن ٱبن لَهِيعة سمعه من عمرو بن شعيب ورواه عنه. حدّث به عن ابن لهيعة ٱبنُ وهب وغيره، وابن لهيعة أحد العلماء إلا أنه يقال: إنه احترقت كتبه فكان إذا حدّث بعد ذلك من حفظه غَلِط. وما رواه عنه ابن المبارك وابن وهب فهو عند بعضهم صحيح. ومنهم من يضعّفَ حديثه كلّه، وكان عنده علم واسع وكان كثير الحديث، إلا أن حاله عندهم كما وصفنا. الثانية ـ قوله تعالى: { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ } هذا استثناء منقطع، أي ولكن تجارة عن تراض. والتجارة هي البيع والشراء وهذا مثل قوله تعالى:وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا } [البقرة: 275] على ما تقدّم. وقرىء «تجارةٌ»، بالرفع أي إلا أن تقع تجارة وعليه أنشد سيبويه:
فِدًى لِبنِي ذُهْلِ بنِ شَيبانَ ناقتِي   إذا كان يومٌ ذو كواكِبَ أشهبُ

السابقالتالي
2 3 4 5 6