الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

فيه إحدى وعشرون مسألة: الأُولى ـ قوله تعالى: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } الآية. نبّه تعالى على تخفيف في النكاح وهو نكاح الأَمَة لمن لم يجد الطَّوْل. واختلف العلماء في معنى الطَّوْل على ثلاثة أقوال: الأوّل ـ السَّعة والغِنَى قاله ٱبن عباس ومجاهد وسعيد بن جُبير والسُّديُّ وٱبن زيد ومالك في المدوّنة. يقال: طال يطول طَوْلاً في الإفضال والقدرة. وفلان ذو طَوْل أي ذو قدرة في ماله بفتح الطاء. وطُولاً بضم الطاء في ضدّ القِصَر. والمراد هٰهنا القدرة على المهر في قول أكثر أهل العلم، وبه يقول الشافعيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثَوْر. قال أحمد بن المُعَذَّل قال عبد الملك: الطَّوْل كلُّ ما يُقدَر به على النكاح من نقد أو عَرَض أو دَين على مَليّ. قال: وكل ما يمكن بيعه وإجارته فهو طَوْل. قال: وليست الزوجة ولا الزوجتان ولا الثلاثة طَوْلا. وقال: وقد سمعت ذلك من مالك رضي الله عنه. قال عبد الملك: لأن الزوجة لا ينكح بها ولا يصل بها إلى غيرها إذ ليست بمال. وقد سئل مالك عن رجل يتزوّج أَمَة وهو ممن يجد الطول، فقال: أرى أن يفرق بينهما. قيل له: إنه يخاف العنَتَ. قال: السوط يضرب به. ثم خففه بعد ذلك. القول الثاني ـ الطَّوْل الحُرّةُ. وقد ٱختلف قول مالك في الحرّة هل هي طول أم لا فقال في المدوّنة: ليست الحرّة بطوْل تمنع من نكاح الأمة إذا لم يجد سَعة لأُخرى وخاف العَنَت. وقال في كتاب محمد ما يقتضي أن الحُرّة بمثابة الطَّوْل. قال اللَّخْمِيّ: وهو ظاهر القرآن. ورُوي نحو هذا عن ٱبن حبيب، وقاله أبو حنيفة. فيقتضي هذا أن من عنده حُرّة فلا يجوز له نكاح الأَمَة وإن عدم السَّعَة وخاف العَنَت، لأنه طالب شهوة وعنده ٱمرأة، وقال به الطَّبَريّ وٱحتجّ له. قال أبو يوسف: الطوَّلْ هو وجود الحرّة تحته فإذا كانت تحته حُرَّة فهو ذو طول، فلا يجوز له نكاح الأَمَة. القول الثالث ـ الطَّوْل الجَلَدُ والصّبر لمن أحبّ أَمَة وهَوِيَها حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوّج غيرها، فإن له أن يتزوّج الأَمَة إذا لم يملك هواها وخاف أن يَبْغِي بها وإن كان يجد سعَة في المال لنكاح حُرّة هذا قول قَتادة والنَّخَعِيّ وعطاء وسفيان الثّوري. فيكون قوله تعالى: { لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ } على هذا التأويل في صفة عَدم الجَلَد. وعلى التأويل الأوّل يكون تزويج الأَمَة معلَّقاً بشرطين: عَدمَ السَّعَة في المال، وخَوف العَنت فلا يصح إلا باجتماعهما. وهذا هو نص مذهب مالك في المدونة من رواية ابن نافع وابن القاسم وابن وهب وابن زياد. قال مُطَرِّف وابن الماجِشُون: لا يحل للرجل أن ينكح أَمَة، ولا يُقرّان إلا أن يجتمع الشرطان كما قال الله تعالى وقاله أَصْبَغ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8