الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

فيه إحدى وعشرون مسألة: الأولى ـ قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } الآية. أي نكاح أُمهاتكم ونكاح بناتكم فذكر الله تعالىٰ في هذه الآية ما يحِل من النساء وما يحرم، كما ذكر تحريم حَليلة الأب، فحرّم الله سَبْعاً من النسب وسِتّاً من رضَاع وصِهْر، وألحقت السنةُ المتواترة سابعة وذلك الجمع بين المرأة وعمتها، ونص عليه الإجماع. وثبتت الرواية عن ٱبن عابس قال: حرّم من النسب سبع ومن الصهر سبع، وتلا هذه الآية. وقال عمرو بن سالم مولى الأنصار مثل ذلك، وقال: السابعة قوله تعالىٰ: { وَٱلْمُحْصَنَاتُ }. فالسبع المحرّمات من النسب: الأُمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات، وبنات الأخ وبنات الأُخت. والسبع المحرّمات بالصهر والرّضاع: الأُمهات من الرضاعة والأخوات من الرّضاعة، وأُمهات النساء والربائِب وحَلائل الأبناء والجمع بين الأُختين، والسابعة { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ }. قال الطحاوي: وكل هذا من المحكم المتفق عليه، وغير جائز نكاح واحدة منهنّ بإجماعٍ إلاَّ أُمهات النساء اللواتي لم يدخل بهنّ أزواجهنّ فإن جمهور السلف ذهبوا إلى أن الأُم تحرم بالعقد على الابنة، ولا تحرم الابنة إلاَّ بالدخول بالأُمِّ وبهذا قول جميع أئمة الفَتْوىٰ بالأمصار. وقالت طائفة من السلف: الأُم والربيبة سواء، لا تحرم منهما واحدة إلاَّ بالدخول بالأُخرى. قالوا: ومعنى قوله: { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } أي اللاتي دخلتم بهنّ. { وَرَبَائِبُكُمُ ٱللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ }. وزعموا أن شرط الدخول راجع إلى الأُمهات والربائب جميعاً رواه خِلاَسٌ عن عليّ بن أبي طالب. وروي عن ٱبن عباسٍ وجابرٍ وزيد بن ثابت، وهو قول ابن الزبير ومجاهد. قال مجاهد: الدّخول مراد في النازلتين وقول الجمهور مخالف لهذا وعليه الحكم والفتيا، وقد شدّد أهل العراق فيه حتى قالوا: لو وطئها بزنًى أو قبّلها أو لمسها بشهوة حرمت عليه ابنتها. وعندنا وعند الشافعيّ إنما تحرم بالنكاحِ الصحيح والحرام لا يحرّم الحلال على ما يأتي. وحديث خِلاسٍ عن عليّ لا تقوم به حجة، ولا تصح روايته عند أهل العلم بالحديث، والصحيح عنه مثل قولِ الجماعةِ. قال ابن جريج: قلت لعطاء الرجل ينكِح المرأة ثم لا يراها ولا يجامعها حتى يطلقها أوَ تحِلّ له أُمها؟ قال: لا، هي مرسلة دخل بها أو لم يدخل. فقلت له: أكان ٱبن عباس يقرأ: { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ٱللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ }؟ قال: لا لا. وروى سعيد عن قتادة عن عِكرمة عن ٱبن عباس في قوله تعالىٰ: { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } قال: هي مبهمة لا تحِل بالعقد على الابنة وكذلك روى مالك في موطئِه عن زيد بن ثابت، وفيه: فقال زيد لا، الأُم مبهمة ليس فيها شرط وإنما الشرط في الربائب. قال ابن المنذر: وهذا هو الصحيح لدخول جميع أُمهات النساء في قوله تعالىٰ: { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد