الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } * { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً }

فيه ست مسائل:الأُولى ـ لما مضى في الآية المتقدّمة حكم الفراق الذي سببه المرأة، وأن للزوج أخذَ المال منها عقَّب ذلك بذكر الفراق الذي سبّبه الزوج، وبيّن أنه إذا أراد الطلاق من غير نُشُوز وسوء عشرة فليس له أن يطلب منها مالاً. الثانية ـ واختلف العلماء إذا كان الزوجان يريدان الفراق وكان منهما نشوزٌ وسوء عشرة فقال مالك رضي الله عنه: للزوج أن يأخذ منها إذا تسببت في الفراق ولا يراعى تسببه هو. وقال جماعة من العلماء: لا يجوز له أخذ المال إلاَّ أن تنفرد هي بالنشوز وتطلبه في ذلك. الثالثة ـ قوله تعالىٰ: { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } الآية. دليل على جواز المغالاة في المهور لأن الله تعالىٰ لا يمثِّل إلاَّ بمباح. وخطب عمر رضي الله عنه فقال: ألا لا تَغالوا في صَدُقات النساء فإنها لو كانت مَكْرُمَة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصدق قَطّ ٱمرأة من نسائه ولا بناته فوق ٱثنتي عشرة أوقِية. فقامت إليه ٱمرأة فقالت: يا عمر، يعطينا الله وتَحْرِمنا ٰ أليس الله سبحانه وتعالىٰ يقول: { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً }؟ فقال عمر: أصابت ٱمرأةٌ وأخطأ عمر. وفي رواية فأطرق عمر ثم قال: كل الناس أفقه منك يا عمر ٰ. وفي أُخرىٰ: ٱمرأةٌ أصابت ورجل أخطأ. وترك الإنْكارَ. أخرجه أبو حاتم البستيّ في صحيح مسنده عن أبي العَجْفاء السلمي قال: خطب عمر الناس، فذكره إلى قوله: ٱثنتي عشرة أوقية، ولم يذكر: فقامت إليه ٱمرأة. إلى آخره، وأخرجه ابن ماجه في سننه عن أبي العَجْفاء، وزاد بعد قوله: أوقية. وأن الرجل ليُثْقِل صَدُقة ٱمرأته حتى تكون لها عداوة في نفسه، ويقول: قد كَلِفْت إليكِ عَلَق القِربة ـ أو عَرَق القِربة وكنت رجلاً عربياً مَوْلِداً ما أدري ما عَلَق القربة أو عرق القربة. قال الجوهري: وعَلَق القِربة لغةٌ في عَرَق القربة. قال غيره: ويُقال عَلَقُ القربة عِصامُها الذي تُعَلّق به. يقول كلِفت إليكِ حتى عِصام القِربة. وعرق القربة ماؤها يقول: جشمت إليك حتى سافرت وٱحتجت إلى عرق القِربة، وهو ماؤها في السفر. ويُقال: بل عرق القِربة أن يقول: نصِبت لك وتكلفت حتى عِرقت عرق القِربة، وهو سيلانها. وقيل: إنهم كانوا يتزوّدون الماء فيعلقونه على الإبل يتناوبونه فيشق على الظهر ففسر به اللفظان: العرَق والعَلَق. وقال الأصمعي: عرق القِربة كلمة معناها الشدّة. قال: ولا أدري ما أصلها. قال الأصمعي: وسمعت ٱبن أبي طَرَفَة وكان من أفصح من رأيت يقول: سمعت شيخاننا يقولون: لقيت من فلان عرق القِربة، يعنون الشدّة.

السابقالتالي
2 3