الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

فيه ثمان مسائل:الأولى ـ قوله تعالى: { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } هذا متصل بما تقدّم ذكره من الزوجات. والمقصود نفي الظلم عنهنّ وإضرارهنّ والخطاب للأولياء. و «أن» في موضع رفع بـ «يَحِلُّ» أي لا يحل لكم وراثة النساء. و «كَرْهاً» مصدر في موضع الحال. واختلفت الروايات وأقوال المفسرين في سبب نزولها فروى البخاري: عن ابن عباس { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ُلِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ } قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوّجها، وإن شاءوا زوّجوها، وإن شاءوا لم يزوّجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزّلت هذه الآية في ذلك. وأخرجه أبو داود بمعناه. وقال الزهري وأبو مَجْلِز: كان من عادتهم إذا مات الرجل يُلقي ابنُه من غيرها أو أقربُ عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها فإن شاء تزوّجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت وإن شاء زوّجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئاً وإن شاء عَضَلها لتفْتَدِيَ منه بما ورثته من الميت أو تموت فيرثها، فأنزل الله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً }. فيكون المعنى: لا يحل لكم أن ترثوهنّ من أزواجهنّ فتكونوا أزواجاً لهنّ. وقيل: كان الوارث إن سبق فألقى عليها ثوباً فهو أحق بها، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها كانت أحق بنفسها قاله السدّي. وقيل: كان يكون عند الرجل عجوز ونفسه تتوق إلى الشابّة فيكره فراق العجوز لمالها فيمسكها ولا يقربها حتى تَفْتدي منه بمالها أو تموت فيرث مالها. فنزلت هذه الآية. وأُمر الزوج أن يطلقها إن كره صحبتها ولا يمسكها كرها فذلك قوله تعالى: { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً }. والمقصود من الآية إذهاب ما كانوا عليه في جاهليتهم، وألا تُجعل النساءُ كالمال يُورَثْن عن الرجال كما يورث المال. و «كُرها» بضم الكاف قراءة حمزة والكسائي، الباقون بالفتح، وهما لغتان. وقال القتبي: الكره بالفتح بمعنى الإكراه، والكره بالضم المشقة. يقال: لِتفعل ذلك طوعا أو كرها، يعني طائعا أو مكرها. والخطاب للأولياء. وقيل لأزواج النساء إذا حبسوهنّ مع سوء العِشرة طماعِية إرثها، أو يفتدين ببعض مهورهنّ، وهذا أصح. واختاره ابن عطية قال: ودليل ذلك قوله تعالى: { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ } وإذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعاً من الأمة، وإنما ذلك للزوج، على ما يأتي بيانه في المسألة بعد هذا. الثانية ـ قوله تعالى: { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } قد تقدّم معنى العضل وأنه المنع في «البقرة». { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } اختلف الناس في معنى الفاحشة فقال الحسن: هو الزنا، وإذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى سنة، وتردّ إلى زوجها ما أخذت منه.

السابقالتالي
2 3 4