الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

قوله تعالى: { لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ } أي لن يأنَفَ ولن يحتشِم. { أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ } أي من أن يكون فهو في موضع نصب. وقرأ الحسن: «إن يكون» بكسر الهمزة على أنها نفي هو بمعنى «ما» والمعنى ما يكون له ولد وينبغي رفع يكون ولم يذكره الرّواة. { وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } أي من رحمة الله ورضاه فدل بهذا على أن الملائكة أفضل من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وكذاوَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ } [هود: 31] وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى في «البقرة». { وَمَن يَسْتَنْكِفْ } أي يأنَف { عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ } فلا يفعلها. { فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ } أي إلى المحشر. { جَمِيعاً } فيجازي كلا بما يستحق، كما بينه في الآية بعد هذا { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } إلى قوله: { نَصِيراً }. وأصل «يَسْتَنْكِفُ» نَكِفَ فالياء والسين والتاء زوائد يقال: نكفت من الشيء وٱستَنْكفت منه وأنكَفْته أي نزّهته عما يستنكف منه ومنه الحديث " سئل عن «سبحان الله» فقال: «إنْكافُ اللَّهِ من كل سوءٍ» " يعني تنزيهه وتقديسه عن الأنداد والأولاد. وقال الزجاج: ٱستنكف أي أنِف مأخوذ من نَكَفْت الدّمع إذا نَحّيته بإصبعك عن خدّك ومنه الحديث: " ما يُنْكَفُ العَرَقُ عن جبينه " أي ما ينقطع ومنه الحديث: " جاء بجيش لا يُنْكَف آخره " أي لا ينقطع آخره. وقيل: هو من النّكَفِ وهو العيب يقال: ما عليه في هذا الأمر نَكَفٌ ولا وَكَف أي عيب: أي لن يمتنع المسيح ولن يتنزّه من العبودية ولن ينقطع عنها ولن يعيبها.