الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

فيه سبع مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { وَٱللَّذَانَ } «اللَّذَانِ» تثنية الذي، وكان القياس أن يقال: اللذيَان كرحيَان ومصطفيَان وشجيَان. قال سيبويه: حذفت الياء ليُفرق بين الأسماء المتمكنة والأسماء المبهمات. وقال أبو علي: حذفت الياء تخفيفاً، إذ قد أمِن اللبس في اللذان لأن النون لا تنحذف، ونون التثنية في الأسماء المتمكنة قد تنحذف مع الإضافة في رحياك ومصطفيا القومِ فلو حذفت الياء لاشتبه المفرد بالاثنين. وقرأ ابن كثير «اللّذَانِّ» بتشديد النون، وهي لغة قريش وعلّته أنه جعل التشديد عوضاً من ألف «ذا» على ما يأتي بيانه في سورة «القصص» عند قوله تعالى:فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ } [القصص: 32]. وفيها لغة أُخرى «اللّذَا» بحذف النون. هذا قول الكوفيين. وقال البصريون: إنما حذفت النون لطول الاسم بالصلة. وكذلك قرأ «هَذَانّ» و «فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ» بالتشديد فيهما. والباقون بالتخفيف. وشدّد أبو عمرو «فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ» وحدها. و «اللّذَانِ» رفع بالابتداء. قال سيبويه: المعنى وفيما يتلى عليكم اللذان يأتيانها، أي الفاحشة «مِنْكُمْ». ودخلت الفاء في «فَآذُوهُمَا» لأن في الكلام معنى الأمر لأنه لما وُصِل الذي بالفعل تمكّن فيه معنى الشرط إذ لا يقع عليه شيء بعينه، فلما تمكن الشرط والإبهام فيه جرى مجرى الشرط فدخلت الفاء، ولم يعمل فيه ما قبله من الإضمار كما لا يعمل في الشرط ما قبله فلما لم يحسن إضمار الفعل قبلهما ليُنصَبا رُفعا بالابتداء وهذا ٱختيار سيبويه. ويجوز النصب على تقدير إضمار فعل، وهو الاختيار إذا كان في الكلام معنى الأمر والنهي نحو قولك: اللذيْن عندك فأكرمهما. الثانية ـ قوله تعالى: { فَآذُوهُمَا } قال قتادة والسدي: معناه التوبيخ والتعيير. وقالت فرقة: هو السبّ والجفاء دون تعيير. ٱبن عباس: النيل باللسان والضرب بالنعال. قال النحاس: وزعم قوم أنه منسوخ. قلت: رواه ٱبن أبي نجيح عن مجاهد قال: { وَٱللَـٰتِى يَأْتِينَ ٱلْفَـٰحِشَةَ } و { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَـٰنِهَا } كان فى أوّل الأمر فنسختهما الآية التي في «النور». قاله النحاس: وقيل وهو أولى: إنه ليس بمنسوخ، وأنه واجب أن يؤدّبا بالتوبيخ فيقال لهما: فجرتما وفسقتما وخالفتما أمر الله عز وجل. الثالثة ـ وٱختلف العلماء في تأويل قوله تعالى: «وَاللاَّتِي» وقوله: «وَاللَّذَانِ» فقال مجاهد وغيره: الآية الأُولى في النساء عامّة محصناتٍ وغير محصناتٍ، والآية الثانية في الرجال خاصة. وبيّن لفظ التثنية صنفي الرجال من أحْصَن ومن لم يُحصن فعقوبة النساء الحبسُ، وعقوبة الرجال الأذَى. وهذا قول يقتضيه اللفظ، ويستوفي نصُّ الكلام أصناف الزناة. ويؤيّده من جهة اللفظ قوله في الأُولى: «مِنْ نِسَائِكُمْ» وفي الثانية «مِنْكُمْ» واختاره النحاس ورواه عن ابن عباس. وقال السدي وقتادة وغيرهما: الأُولى في النساء المحصنات. يريد: ودخل معهنّ من أحصِن من الرجال بالمعنى، والثانية في الرجل والمرأة البِكرين.

السابقالتالي
2 3 4