الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً } * { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً }

فيه ثلاث مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } وتمّ الكلام. ثم قال جل وعز: { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } ٱستثناء ليس من الأوّل في موضع نصب أي لكن من ظلِم فله أن يقول ظلمني فلان. ويجوز أن يكون في موضع رفع ويكون التقدير لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء إلا من ظلم. وقراءة الجمهور «ظُلِم» بضم الظاء وكسر اللام ويجوز إسكانها. ومن قرأ «ظَلَم» بفتح الظاء وفتح اللام وهو زيد بن أسلم وٱبن أبي إسحاق وغيرهما على ما يأتي، فلا يجوز له أن يسكّن اللام لخفة الفتحة. فعلى القراءة الأُولى قالت طائفة: المعنى لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا من ظُلم فلا يُكره له الجهر به. ثم ٱختلفوا في كيفية الجهر بالسوء وما هو المباح من ذلك فقال الحسن: هو الرجل يظلم الرجل فلا يدع عليه، ولكن ليقل: اللهم أعِنِّي عليه، اللهم ٱستخرج حقي، اللهم حُلْ بينه وبين ما يريد من ظلمي. فهذا دعاء في المدافعة وهي أقل منازل السوء. وقال ٱبن عباس وغيره: المباح لمن ظُلم أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له فهذا إطلاق في نوع الدعاء على الظالم. وقال أيضاً هو والسدي: لا بأس لمن ظُلِم أن ينتصر ممن ظلمه بمثل ظلمه ويجهر له بالسوء من القول. وقال ٱبن المستنير: «إلا من ظلِم» معناه إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول كفرٍ أو نحوه فذلك مباح. والآية على هذا في الإكراه وكذا قال قُطْرُب: { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } يريد المكره لأنه مظلوم فذلك موضوع عنه وإن كفر قال: ويجوز أن يكون المعنى { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } على البدل كأنه قال: لا يحب الله إلا من ظلم، أي لا يحب الله الظالم فكأنه يقول: يحب من ظلم أي يأجِر من ظلم. والتقدير على هذا القول: لا يحب الله ذا الجهر بالسوء إلا من ظلم، على البدل. وقال مجاهد: نزلت في الضيافة فرخص له أن يقول فيه. قال ٱبن جريج عن مجاهد: نزلت في رجل ضاف رجلاً بفلاةٍ من الأرض فلم يضيفه فنزلت «إلا من ظلِم» ورواه ٱبن أبي نجيح أيضاً عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } في الرجل يمر بالرجل فلا يضيفه فرخص له أن يقول فيه: إنه لم يحسن ضيافته. وقد ٱستدل من أوجب الضيافة بهذه الآية قالوا: لأن الظلم ممنوع منه فدل على وجوبها وهو قول الليث بن سعد. والجمهور على أنها من مكارم الأخلاق وسيأتي بيانها في «هود» والذي يقتضيه ظاهر الآية أن للمظلوم أن ينتصر من ظالمه ـ ولكن مع ٱقتصاد ـ إن كان مؤمناً كما قال الحسن فأما أن يقابل القذف بالقذف ونحوه فلا وقد تقدّم في «البقرة».

السابقالتالي
2 3