الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً }

استفهام بمعنى التقرير للمنافقين. التقدير: أي منفعة له في عذابكم إن شكرتم وآمنتم فنبه تعالى أنه لا يعذب الشاكر المؤمن، وأنّ تعذيبه عباده لا يزيد في ملكه، وتركه عقوبتهم على فعلهم لا ينقص من سلطانه. وقال مكحول: أربع من كنّ فيه كنّ له، وثلاث من كنّ فيه كنّ عليه فالأربع اللاتي له: فالشكر والإيمان والدعاء والاستغفار، قال الله تعالى: { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } وقال الله تعالى:وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33] وقال تعالى:قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ } [الفرقان: 77]. وأما الثلاث اللاتي عليه: فَالمَكْرُ وَالبَغْيُ والنَّكْثُ قال الله تعالى:فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } [الفتح: 10] وقال تعالى:وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43] وقال تعالى:إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } [يونس: 23]. { وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً } أي يشكر عباده على طاعته. ومعنى { يشكرهم } يثيبهم فيتقبل العمل القليل ويعطي عليه الثواب الجزيل، وذلك شكر منه على عبادته. والشكر في اللغة الظهور، يقال: دابة شكور إذا أظهرت من السمن فوق ما تُعطَي من العلف، وقد تقدّم هذا المعنى مستوفى. والعرب تقول في المثل أشْكَرُ من بَرْوَقَة لأنها يقال: تخضرّ وتنضُر بظلّ السحاب دون مطر. والله أعلم.