الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً }

فيه تسع مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { وَلأُضِلَّنَّهُمْ } أي لأصرفنّهم عن طريق الهدى. { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } أي لأُسَوِّلنّ لهم، من التّمنِّي، وهذا لا ينحصر إلى واحد من الأُمنية، لأن كل واحد في نفسه إنما يمنِّيه بقدرِ رغبته وقرائن حاله. وقيل: لأمنِّينهم طول الحياة الخيرَ والتوبةَ والمعرفةَ مع الإصرار. { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ ٱلأَنْعَامِ } البَتك القطع، ومنه سيف باتِك. أي أحملهم على قطع آذان البَحيرة والسائبة ونحوه. يقال: بتَكَه وبتَّكه، مخففاً ومشدّداً وفي يده بِتْكَة أي قطعة، والجمع بِتَك، قال زهير:
طارت وفي كفِّه من ريشها بِتَكُ   
الثانية ـ قوله تعالى: { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } اللاّمات كلها للقَسَم. واختلف العلماء في هذا التغيير إلى ماذا يرجع، فقالت طائفة: هو الخِصَاء وفَقْء الأعين وقطع الآذان، قال معناه ابن عباس وأنس وعِكرمة وأبو صالح. وذلك كله تعذيب للحيوان، وتحريم وتحليل بالطغيان، وقول بغير حجة ولا برهان. والآذان في الأنعام جَمال ومنفعة، وكذلك غيرها من الأعضاء، فلذلك رأى الشيطان أن يغيِّر بها خلق الله تعالى. وفي حديث عِياض بن حِمار المجاشعيّ: " وأني خلقت عبادي حنفاء كلهم وأن الشياطين أتتهم فٱجتالتهم عن دينهم فحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً وأمرتهم أن يغيروا خلقي. " الحديث، أخرجه القاضي إسماعيل ومسلم أيضاً. وروى إسماعيل قال حدّثنا أبو الوليد وسليمان بن حرب قالا حدّثنا شعبة عن أبي إسحاق " عن أبي الأحوص عن أبيه قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قَشِف الهيئة، قال: «هل لك من مال»؟ قال قلت: نعم. قال «من أي المال»؟ قلت: من كل المال، من الخيل والإبل والرقيق ـ قال أبو الوليد: والغنم ـ قال: «فإذا آتاك الله مالا فلْيُرَ عليك أثره» ثم قال: «هل تُنْتِجُ إبِل قومِك صحاحا آذانها فتعمِد إلى موسى فتشق آذانها وتقول هذه بحر وتشق جلودها وتقول هذه صرم لتحرّمها عليك وعلى أهلك»؟ قال: قلت أجَلْ. قال: «وكل ما آتاك الله حِلّ ومُوسَى اللَّهِ أحَدّ من مُوسِك، وساعد الله أشدّ من ساعدك». قال قلت: يا رسول الله، أرأيت رجلاً نزلْتُ به فلم يَقْرِني ثم نزل بي أفأَقْرِيه أم أُكافئه؟ فقال: بل أَقْرِه» ". الثالثة ـ ولما كان هذا من فعل الشيطان وأثره أمرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " أن نَستشرف العين والأُذن ولا نضحِّي بعوراءَ ولا مُقابلَة ولا مُدابرَة ولا خرقاء ولا شرقاء " أخرجه أبو داود عن عليّ قال: أمرَنا فذَكره. المقابَلة: المقطوعة طرف الأُذن. والمدابرة المقطوعة مؤخّر الأُذن. والشرقاء: مشقوقة الأُذن. والخرقاء التي تخرِق أُذنَها السِّمَةُ. والعيب في الأُذن مراعًى عند جماعة العلماء.

السابقالتالي
2 3 4 5