الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } * { هَٰأَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ جَٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً }

قال الضحاك: لما سرق الدّرع اتخذ حفرة في بيته وجعل الدّرع تحت التراب فنزلت { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ } يقول: لا يخفى مكان الدّرع على الله { وَهُوَ مَعَهُمْ } أي رقيب حفيظ عليهم. وقيل: { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ } أي يستتِرون، كما قال تعالى:وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلْلَّيْلِ } [الرعد: 10] أي مستتر. وقيل: يستحيون من الناس، وهذا لأن الاستحياء سبب الاستتار. ومعنى { وَهُوَ مَعَهُمْ } أي بالعلم والرّؤية والسمع، هذا قول أهل السنة. وقالت الجهمية والقدرية والمعتزلة: هو بكل مكان، تمسكا بهذه الآية وما كان مثلها، قالوا: لما قال { وَهُوَ مَعَهُمْ } ثبت أنه بكل مكان، لأنه قد أثبت كونه معهم تعالى الله عن قولهم، فإن هذه صفة الأجسام والله تعالى متعالٍ عن ذلك ألا ترى مناظرة بِشْر في قول الله عز وجل:مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [المجادلة: 7] حين قال: هو بذاته في كل مكان فقال له خصمه: هو في قَلَنْسُوَتِكَ وفي حَشْوك وفي جوف حِمارك. تعالى الله عما يقولون! حكى ذلك وَكيعٌ رضي الله عنه. ومعنى { يُبَيِّتُونَ } يقولون. قاله الكلبي عن أبي صالح عن ٱبن عباس. { مَا لاَ يَرْضَىٰ } أي ما لا يرضاه الله لأهل طاعته. { مِنَ ٱلْقَوْلِ } أي من الرأي والاعتقاد، كقولك: مذهب مالك والشافعي. وقيل: «القول» بمعنى المقول لأن نفس القول لا يبيّت. قوله تعالى: { هَا أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ } يريد قوم بشير السارق لما هربوا به وجادلوا عنه. قال الزجاج: { هَـٰؤُلاۤءِ } بمعنى الذين. { جَادَلْتُمْ } حاججتم. { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } استفهام معناه الإنكار والتوبيخ. { أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } الوكيل: القائم بتدبير الأمور، فالله تعالى قائم بتدبير خلقه. والمعنى: لا أحد لهم يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه وأدخلهم النار.