الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }

فيه أربع مسائل: الأولى ـ في هذه الآية تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وتكريمٌ وتعظيمٌ وتفويضٌ إليه، وتقويمٌ أيضاً على الجادّة في الحكم، وتأنيبٌ على ما رُفع إليه من أمر بني أُبَيْرَقَ: وكانوا ثلاثة إخوة: بِشْر وبَشير ومُبَشِّر، وأَسَيْر بن عروة ٱبن عم لهم نقبوا مشْرَبة لرِفاعة بن زيد في الليل وسرقوا أدراعاً له وطعاماً، فعثُر على ذلك. وقيل إن السارق بشير وحده، وكان يُكْنى أبا طعمة أخذ دِرعا قيل: كان الدّرع في جِراب فيه دقيق، فكان الدقيق ينتثر من خرق في الجِراب حتى أنتهى إلى داره، فجاء ابن أخي رفاعة وٱسمه قتادة بن النعمان يشكوهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أسير بن عروة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن هؤلاء عمدوا إلى أهل بيت هم أهل صلاح ودِين فأنبوهم بالسرقة ورموهم بها من غير بينة وجعل يجادل عنهم حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتادة ورفاعة فأنزل الله تعالى:وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ } [النساء: 107] الآية. وأنزل الله تعالى: { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً } وكان البريء الذي رموه بالسرقة لبيد بن سهل. وقيل: زيد بن السّمين وقيل: رجل من الأنصار. فلما أنزل الله ما أنزل، هرب ابن أبَيْرَق السارق إلى مكة، ونزل على سُلافة بنت سعد بن شهيد فقال فيها حسان بن ثابت بيتاً يُعرِّض فيه بها، وهو:
وقد أنزَلتْه بنتُ سعد وأصبحتْ   ينازعها جلْدَ آستها وتنازعه
ظننتم بأن يَخْفَى الذي قد صنعتمو   وفينا نبيُّ عنده الوَحْيُ واضعه
فلما بلغها قالت: إنما أهديْتَ لي شعر حسان وأخذت رحله فطرحته خارج المنزل، فهرب إلى خيبر وارتدَّ. ثم إنه نقب بيتا ذات ليلة ليَسْرق فسقط الحائط عليه فمات مرتداً. ذكر هذا الحديث بكثير من ألفاظه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، لا نعلم أحداً أسنده غير محمد بن سلمة الحرَّاني. وذكره الليث والطبري بألفاظ مختلفة. وذكر قصة موته يحيى بن سلام في تفسيره، والقشيري كذلك وزاد ذكر الرّدة، ثم قيل: كان زيد بن السّمين ولبيد بن سهل يهوديين. وقيل: كان لبيد مسلما. وذكره المهدوي، وأدخله أبو عمر في كتاب الصحابة له. فدل ذلك على إسلامه عنده. وكان بشير رجلا منافقاً يهجو أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وينحل الشعرَ غيره، وكان المسلمون يقولون: والله ما هو إلا شعر الخبيث. فقال شعرا يتنصّل فيه فمنه قوله:
أو كُلما قال الرجالُ قصيدةً   نحلت وقالوا ٱبنُ الأُبَيْرَق قالها
وقال الضحاك: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع يده وكان مطاعاً، فجاءت اليهود شاكين في السلاح فأخذوه وهربوا به فنزل { هَا أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ } يعني اليهود.

السابقالتالي
2