الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } * { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً } يعني من الشهداء والزهاد والعلماء والقراء وغيرهم، ممن اتقى الله تعالى وعمل بطاعته. وقال في حق الفريقين: { وَسِيقَ } بلفظ واحد، فسوق أهل النار طردهم إليها بالخزي والهوان، كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل، وسوق أهل الجنان سوق مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك، فشتان ما بين السوقين. { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } قيل: الواو هنا للعطف عطف على جملة والجواب محذوف. قال المبرد: أي سعدوا وفتحت، وحذف الجواب بليغ في كلام العرب. وأنشد:
فلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ جَمِيعةً   ولكِنّهَا نَفْسٌ تَسَاقَطُ أَنْفُسَا
فحذف جواب لو والتقدير لكان أروح. وقال الزجاج: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا } دخلوها وهو قريب من الأول. وقيل: الواو زائدة. قاله الكوفيون وهو خطأ عند البصريين. وقد قيل: إن زيادة الواو دليل على أن الأبواب فتحت لهم قبل أن يأتوا لكرامتهم على الله تعالى، والتقدير حتى إذا جاءوها وأبوابها مفتحة، بدليل قوله:جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } [صۤ: 50] وحذف الواو في قصة أهل النار لأنهم وقفوا على النار وفتحت بعد وقوفهم إذلالاً وترويعاً لهم. ذكره المهدوي وحكى معناه النحاس قبله. قال النحاس: فأما الحكمة في إثبات الواو في الثاني وحذفها من الأول، فقد تكلم فيه بعض أهل العلم بقول لا أعلم أنه سبقه إليه أحد، وهو أنه لما قال الله عز وجل في أهل النار: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } دلّ بهذا على أنها كانت مغلقة ولما قال في أهل الجنة: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } دلّ بهذا على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها والله أعلم. وقيل: إنها واو الثمانية. وذلك من عادة قريش أنهم يعدون من الواحد فيقولون خمسة ستة سبعة وثمانية، فإذا بلغوا السبعة قالوا وثمانية. قاله أبو بكر بن عياش. قال الله تعالى:سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ } [الحاقة: 7] وقال: { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } ثم قال في الثامن:وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } [التوبة: 112] وقال:وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ } [الكهف: 22] وقال:ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [التحريم: 5] وقد مضى القول في هذا في «براءة» مستوفى وفي «الكهف» أيضاً. قلت: وقد استدل بهذا من قال إن أبواب الجنة ثمانية وذكروا حديث عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما منكم من أحد يتوضأ فَيُبْلغ ـ أو فَيُسْبِغ الوضوء ـ ثم قال أشهد أن لا إلٰه إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " خرجه مسلم وغيره.

السابقالتالي
2 3