الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ } قيل: إن في الكلام تقديماً وتأخيراً والتقدير: لقد أوحي إليك لئن أشركت وأوحي إلى الذين من قبلك كذلك. وقيل: هو على بابه قال مقاتل: أي أوحي إليك وإلى الأنبياء قبلك بالتوحيد والتوحيد محذوف. ثم قال: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } يا محمد { لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وقيل: الخطاب له والمراد أمته إذ قد علم الله أنه لا يشرك ولا يقع منه إشراك. والإحباط الإبطال والفساد قال القشيري: فمن ارتد لم تنفعه طاعاته السابقة ولكن إحباط الردة العمل مشروط بالوفاة على الكفر ولهذا قال:وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلۤـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } [البقرة: 217] فالمطلق هاهنا محمول على المقيد ولهذا قلنا: من حج ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام لا يجب عليه إعادة الحج. قلت: هذا مذهب الشافعي. وعند مالك تجب عليه الإعادة وقد مضى في «البقرة» بيان هذا مستوفى. قوله تعالى: { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ } النحاس: في كتابي عن أبي إسحاق لفظ اسم الله عز وجل منصوب بـ { ـاعْبُدْ } قال: ولا اختلاف في هذا بين البصريين والكوفيين. قال النحاس: وقال الفراء يكون منصوباً بإضمار فعل. وحكاه المهدوي عن الكسائي. فأما الفاء فقال الزجاج: إنها للمجازاة. وقال الأخفش: هي زائدة. وقال ابن عباس «فاعْبُدْ» أي فوحِّد. وقال غيره: { بَلِ الله } فأطع { وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } لنعمه بخلاف المشركين.