الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } * { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } أي مما حاط بهم من غضب الله ونقمته. وقال الأخفش: { تَرَى } غير عامل في قوله: { وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } إنما هو ابتداء وخبر. الزمخشري: جملة في موضع الحال إن كان «تَرَى» من رؤية البصر، ومفعول ثان إن كان من رؤية القلب. { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الكبر فقال عليه السلام: " سفَهُ الحقِّ وغَمْصُ الناس " أي احتقارهم. وقد مضى في «البقرة» وغيرها. وفي حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: " يحشر المتكبرون يوم القيامة كالذرّ يلحقهم الصغار حتى يؤتى بهم إلى سجن جهنم ". قوله تعالى: { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } وقرىء: «ويُنْجي» أي من الشرك والمعاصي. { بِمَفَازَتِهِمْ } على التوحيد قراءة العامة لأنها مصدر. وقرأ الكوفيون: «بمَفَازَاتهِمْ» وهو جائز كما تقول بسعاداتهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير هذه الآية من حديث أبي هريرة، قال: " يحشر الله مع كل امرىء عمله فيكون عمل المؤمن معه في أحسن صورة وأطيب ريح فكلما كان رُعْب أو خَوْف قال له لا تُرَع فما أنت بالمراد به ولا أنت بالمعنيّ به فإذا كثر ذلك عليه قال فما أحسنك فمن أنت فيقول أما تعرفني أنا عملك الصالح حملتني على ثقلي فوالله لأحملنك ولأدفعن عنك فهي التي قال الله: { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } " { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي حافظ وقائم به. وقد تقدّم. قوله تعالى: { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } واحدها مِقليد. وقيل: مقلاد وأكثر ما يستعمل فيه إقليد. والمقاليد المفاتيح عن ابن عباس وغيره. وقال السدي: خزائن السموات والأرض. وقال غيره: خزائن السموات المطر، وخزائن الأرض النبات. وفيه لغة أخرى أقاليد وعليها يكون واحدها إقليد. قال الجوهري: والإقليد المفتاح، والمِقلد مفتاح كالمِنجل ربما يقلد به الكلأ كما يقلد القَتُّ إذا جعل حِبالاً أي يفتل والجمع المقاليد. وأقلد البحرُ على خلقٍ كثير أي غرّقهم كأنه أغلق عليهم. وخرج البيهقي عن ابن عمر " أن عثمان بن عفان رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى: { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما سألني عنها أحد، لا إلٰه إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده استغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن يحيـي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير» "

السابقالتالي
2