الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } * { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } * { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } * { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } * { أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } * { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ }

قوله تعالى: { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ } «الملأ» الأشراف، والانطلاق الذهاب بسرعة أي ٱنطلق هؤلاء الكافرون من عند الرسول عليه السلام يقول بعضهم لبعض: «أَن ٱمْشُوا» أي ٱمضوا على ما كنتم عليه ولا تدخلوا في دينه { وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ }. وقيل هو إشارة إلى مشيهم إلى أبي طالب في مرضه كما سبق. وفي رواية محمد بن إسحاق أنهم أبو جهل بن هشام، وشيبة وعُتبة أبناء ربيعة بن عبد شمس، وأميّة بن خلف، والعاص بن وائل، وأبو مُعيط جاءوا إلى أبي طالب فقالوا: أنت سيدنا وأنصفنا في أنفسنا، فٱكفنا أمر ٱبن أخيك وسفهاء معه، فقد تركوا آلهتنا وطعنوا في ديننا " فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن قومك يدعونك إلى السواء والنَّصَفَة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أدعوهم إلى كلمة واحدة» فقال أبو جهل وعشرا. قال: «تقولون لا إله إلا اللّه» فقاموا وقالوا: «أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلٰهاً وَاحِداً» " الآيات. { أَنِ ٱمْشُواْ } في موضع نصب والمعنى بأن ٱمشوا. وقيل: «أن» بمعنى أي أي «وَٱنْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ» أي ٱمشوا وهذا تفسير ٱنطلاقهم لا أنهم تكلموا بهذا اللفظ. وقيل: المعنى ٱنطلق الأشراف منهم فقالوا للعوام: «ٱمْشُوا وَٱصْبِرُوا عَلَى آلِهَتكُمْ» أي على عبادة آلهتكم «إِنَّ هَذَا» أي هذا الذي جاء به محمد عليه السلام { لَشَيْءٌ يُرَادُ } أي يراد بأهل الأرض من زوال نعم قوم وغير تنزل بهم. وقيل: { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } كلمة تحذير أي إنما يريد محمد بما يقول الانقياد له ليعلو علينا، ونكون له أتباعاً فيتحكم فينا بما يريد، فاحذروا أن تطيعوه. وقال مقاتل: إن عمر لما أسلم وقوي به الإسلام شقّ ذلك على قريش فقالوا: إن إسلام عمر في قوّة الإسلام لشيء يراد. قوله تعالى: { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ } قال ابن عباس والقرظيّ وقتادة ومقاتل والكلبيّ والسديّ: يعنون ملّة عيسى النصرانية وهي آخر الملل. والنصارى يجعلون مع اللّه إلٰهاً. وقال مجاهد وقتادة أيضاً: يعنون ملة قريش. وقال الحسن: ما سمعنا أن هذا يكون في آخر الزمان. وقيل: أي ما سمعنا من أهل الكتاب أن محمداً رسول حقّ. { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } أي كذب وتخرّص عن ابن عباس وغيره. يقال: خلق وٱختلق أي ٱبتدع. وخلق اللّه عز وجل الخلق من هذا أي ٱبتدعهم على غير مثال. قوله تعالى: { أَأُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } هو استفهام إنكار، والذكر هاهنا القرآن. أنكروا اختصاصه بالوحي من بينهم فقال اللّه تعالى: { بْل هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي } أي من وحي القرآن. أي قد علموا أنك لم تزل صدوقاً فيما بينهم، وإنما شكُّوا فيما أنزلته عليك هل هو من عندي أم لا.

السابقالتالي
2