الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } قيل: فتن سليمان بعد ما ملك عشرين سنة، وملك بعد الفتنة عشرين سنة ذكره الزمخشري. و«فَتَنَّا» أي ابتلينا وعاقبنا. وسبب ذلك ما رواه سعيد بن جُبير عن ابن عباس قال: اختصم إلى سليمان عليه السلام فريقان أحدهما من أهل جرادة امرأة سليمان وكان يحبها فهوي أن يقع القضاء لهم، ثم قضى بينهما بالحق، فأصابه الذي أصابه عقوبة لذلك الهوى. وقال سعيد بن المسيّب: إن سليمان عليه السلام احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد، ولا ينصف مظلوماً من ظالم فأوحى الله تعالى إليه: إني لم أستخلفك لتحتجب عن عبادي، ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم. وقال شَهْر بن حَوْشَب ووهب بن منبّه: إن سليمان عليه السلام سبى بنت ملك غزاه في البحر، في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون. فألقيت عليه محبتها وهي تعرض عنه، لا تنظر إليه إلا شزرا، ولا تكلمه إلا نزرا، وكان لا يرقأ لها دمع حزنا على أبيها، وكانت في غاية من الجمال، ثم إنها سألته أن يصنع لها تمثالاً على صورة أبيها حتى تنظر إليه، فأمر فصنع لها فعظمته وسجدت له، وسجدت معها جواريها، وصار صنماً معبوداً في داره وهو لا يعلم، حتى مضت أربعون ليلة، وفشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره، وحرقه ثم ذرّاه في البحر. وقيل: إن سليمان لما أصاب ابنة ملك صيدون واسمها جرادة ـ فيما ذكر الزمخشري ـ أعجب بها، فعرض عليها الإسلام فأبت، فخوفها فقالت: اقتلني ولا أسلم، فتزوّجها وهي مشركة، فكانت تعبد صنماً لها من ياقوت أربعين يوماً في خفية من سليمان إلى أن أسلمت فعوقب سليمان بزوال ملكه أربعين يوماً. وقال كعب الأحبار: إنه لما ظلم الخيل بالقتل سلب ملكه. وقال الحسن: إنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض أو غيره. وقيل: إنه أُمِرَ ألاّ يتزوّج امرأة إلا من بني إسرائيل، فتزوّج امرأة من غيرهم، فعوقب على ذلك والله أعلم. قوله تعالى: { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً } قيل: شيطان في قول أكثر أهل التفسير ألقى الله شبه سليمان عليه السلام عليه، واسمه صخر بن عمير صاحب البحر، وهو الذي دل سليمان على الماس حين أمر سليمان ببناء بيت المقدس، فصوتت الحجارة لما صنعت بالحديد، فأخذوا الماس فجعلوا يقطعون به الحجارة والفصوص وغيرها ولا تصوت. قال ابن عباس: كان مارداً لا يقوى عليه جميع الشياطين، ولم يزل يحتال حتى ظفر بخاتم سليمان بن داود، وكان سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه، فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان أمّ ولد له يقال لها الأمينة قاله شهر ووهب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7