الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } * { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ }

قوله تعالى: { وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } لما ذكر داود ذكر سليمان. و«أَوَّابٌ» معناه مطيع. { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } يعني الخيل جمع جواد للفرس إذا كان شديد الحُضر كما يقال للإنسان جواد إذا كان كثير العطية غزيرها يقال: قوم أجواد وخيل جِياد، جاد الرجلُ بماله يجود جُوداً فهو جواد، وقوم جُود مثال قَذَالٍ وقُذُلٍ، وإنما سكنت الواو لأنها حرف علة، وأجواد وأجاوِد وجُوداء، وكذلك امرأة جَوَاد ونسوة جُود مثل نوارٍ ونُور، قال الشاعر:
صَناعٌ بِإِشْفاها حَصانٌ بِشَكْرِهَا   جوادٌ بِقُوتِ البَطْنِ والعِرْقُ زاخِرُ
وتقول: سِرنا عُقْبة جَوَادا، وعُقْبتين جَوَادين، وعُقْبا جِيادا. وجاد الفرس أي صار رائعاً يجود جُودة بالضم فهو جواد للذكر والأنثى، من خيل جِياد وأجياد وأجاويد. وقيل: إنها الطوال الأعناق مأخوذ من الجِيد وهو العنق لأن طول الأعناق في الخيل من صفات فَرَاهتها. وفي الصافنات أيضاً وجهان: أحدهما أن صفونها قيامها. قال القتبي والفراء: الصافن في كلام العرب الواقف من الخيل أو غيرها. ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من سرّه أن يقوم له الرجال صفونا فليتبوّأ مقعده من النار " أي يديمون له القيام حكاه قطرب أيضاً وأنشد قول النابغة:
لنا قُبَّةٌ مضْروبةٌ بفِنائها   عِتاقُ المهَارى والجِياد الصَّوَافن
وهذا قول قتادة. الثاني أن صفونها رفع إحدى اليدين على طرف الحافر حتى يقوم على ثلاث كما قال الشاعر:
أَلِفَ الصُّفونَ فما يَزَالُ كَأَنَّهُ   مِمَّا يقومُ على الثَّلاَثِ كَسِيرَا
وقال عمرو بن كُلْثوم:
تَركْنا الخيل عاكِفَةً عَلَيْهِ   مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَا صُفونَا
وهذا قول مجاهد. قال الكلبي: غزا سليمان أهل دمشق ونَصِيبِين فأصاب منهم ألف فرس. وقال مقاتل: ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس، وكان أبوه أصابها من العمالقة. وقال الحسن: بلغني أنها كانت خيلاً خرجت من البحر لها أجنحة. وقاله الضحاك. وأنها كانت خيلاً أخرجت لسليمان من البحر منقوشة ذات أجنحة. ابن زيد: أخرج الشيطان لسليمان الخيل من البحر من مروج البحر، وكانت لها أجنحة. وكذلك قال علي رضي الله عنه: كانت عشرين فرساً ذوات أجنحة. وقيل: كانت مائة فرس. وفي الخبر عن إبراهيم التيمي: أنها كانت عشرين ألفاً، فالله أعلم. فقال: { إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي } يعني بالخير الخيل، والعرب تسميها كذلك، وتُعاقِب بين الراء واللام فتقول: انهملت العين وانهمرت، وختلت وخترت إذا خدعت. قال الفراء: الخير في كلام العرب والخيل واحد. النحاس: في الحديث: " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " فكأنها سمّيت خيراً لهذا. وفي الحديث: " لما وفد زيد الخيل على النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: «أنت زيد الخير» "

السابقالتالي
2 3 4