الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } * { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ }

قوله تعالى: { صۤ } قراءة العامة «صۤ» بجزم الدال على الوقف لأنه حرف من حروف الهجاء مثل: «الۤمۤ» و «الۤمۤر». وقرأ أبيّ بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم «صادِ» بكسر الدال بغير تنوين. ولقراءته مذهبان: أحدهما أنه من صادى يصادي إذا عارض، ومنهفَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } [عبس: 5] أي تعرّض. والمصاداة المعارضة، ومنه الصَّدَى وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الخالية. فالمعنى صادِ القرآنَ بعملك أي عارضه بعملك وقابله به، فاعمل بأوامره، وٱنته عن نواهيه. النحاس: وهذا المذهب يروى عن الحسن أنه فسر به قراءته رواية صحيحة. وعنه أن المعنى ٱتله وتعرّض لقراءته. والمذهب الآخر أن تكون الدال مكسورة لالتقاء الساكنين. وقرأ عيسى بن عمر «صاد» بفتح الدال مثله: «قافَ» و «نونَ» بفتح آخرها. وله في ذلك ثلاثة مذاهب: أحدهنّ أن يكون بمعنى ٱتلُ. والثاني أن يكون فتح لالتقاء الساكنين وٱختار الفتح للإتباع ولأنه أخفّ الحركات. والثالث أن يكون منصوباً على القسم بغير حرف كقولك: اللَّه لأفعلنّ، وقيل: نصب على الإغراء. وقيل: معناه صادَ محمدٌ قلوب الخلق وٱستمالها حتى آمنوا به. وقرأ ٱبن أبي إسحاق أيضاً «صادٍ» بكسر الدال والتنوين على أن يكون مخفوضاً على حذف حرف القسم، وهذا بعيد وإن كان سيبويه قد أجاز مثله. ويجوز أن يكون مشبهاً بما لا يتمكن من الأصوات وغيرها. وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السَّمَيْقَع: «صادُ» و «قافُ» و «نونُ» بضم آخرهن لأنه المعروف بالبناء في غالب الحال، نحو منذُ وقطُ وقبلُ وبعدُ. و «صۤ» إذا جعلته ٱسماً للسورة لم ينصرف كما أنك إذا سميت مؤنثاً بمذكر لا ينصرف وإن قلّت حروفه. وقال ٱبن عباس وجابر بن عبد اللّه وقد سئلا عن «صۤ» فقالا: لا ندري ما هي. وقال عكرمة: سأل نافع بن الأزرق ٱبن عباس عن «صۤ» فقال: «صۤ» كان بحراً بمكة وكان عليه عرش الرحمن إذ لا ليل ولا نهار. وقال سعيد بن جبير: «صۤ» بحر يُحيي اللّه به الموتى بين النفختين. وقال الضحاك: معناه صدق اللّه. وعنه أن «صۤ» قسم أقسم اللّه به وهو من أسمائه تعالى. وقال السدي، وروي عن ٱبن عباس. وقال محمد بن كعب: هو مفتاح أسماء اللّه تعالى صمدُ وصانعُ المصنوعات وصادقُ الوعد. وقال قتادة: هو ٱسم من أسماء الرحمن. وعنه أنه ٱسم من أسماء القرآن. وقال مجاهد: هو فاتحة السورة. وقيل: هو مما ٱستأثر اللّه تعالى بعلمه، وهو معنى القول الأوّل. وقد تقدّم جميع هذا في «البقرة». قوله تعالى: { وَٱلْقُرْآنِ } خفض بواو القسم والواو بدل من الباء أقسم بالقرآن تنبيهاً على جلالة قدره فإن فيه بيان كل شيء، وشفاء لما في الصدور، ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5