الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ } * { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } * { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } * { فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } * { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } قال السّدي: ذهب إليهم. وقال أبو مالك: جاء إليهم. وقال قتادة: مال إليهم. وقال الكلبي: أقبل عليهم. وقيل: عدل. والمعنى متقارب. فراغ يرُوغ رَوْغاً ورَوَغاناً إذا مال. وطريق رائغ أي مائل. وقال الشاعر: ويُرِيكَ مِن طَرَفِ اللسانِ حَلاوةويَرُوغ عنك كما يَرُوغ الثعلبُ فقال: { أَلا تَأْكُلُونَ } فخاطبها كما يخاطب من يعقل لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة. وكذا { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ }. قيل: كان بين يدي الأصنام طعام تركوه ليأكلوه إذا رجعوا من العيد، وإنما تركوه لتصيبه بركة أصنامهم بزعمهم. وقيل: تركوه للسَّدَنة. وقيل: قرَّب هو إليها طعاماً على جهة الاستهزاء فقال: «أَلاَ تَأْكُلُونَ مَالَكُمْ لاَ تَنْطِقُونَ». { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } خصّ الضرب باليمين لأنها أقوى والضرب بها أشد قاله الضحاك والربيع بن أنس. وقيل: المراد باليمين اليمين التي حَلَفها حين قال: { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ }. وقال الفراء وثعلب: ضرباً بالقوة واليمين القوة. وقيل: بالعدل واليمين ها هنا العدل. ومنه قوله تعالى:وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } [الحاقة: 44 ـ 45] أي العدل، فالعدل لليمين والجور للشمال. ألا ترى أن العدوّ عن الشمال والمعاصي عن الشمال والطاعة عن اليمين ولذلك قال:إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } [الصافات: 28] أي من قِبل الطاعة. فاليمين هو موضع العدل من المسلم، والشمال موضع الجور. ألا ترى أنه بايع اللّه بيمينه يوم الميثاق، فالبيعة باليمين فلذلك يُعطَى كتابه غداً بيمينه لأنه وفّى بالبيعة، ويُعطَى الناكث للبيعة الهارب برقبته من اللّه بشماله لأن الجور هناك. فقوله: { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } أي بذلك العدل الذي كان بايع اللّه عليه يوم الميثاق ثم وفّى له ها هنا. فجعل تلك الأوثان جُذَاذاً، أي فُتَاتاً كالجذِيذة وهي السَّوِيق وليس من قبيل القوة، قاله الترمذي الحكيم. { فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } قرأ حمزة: «يُزِفُّونَ» بضم الياء. الباقون بفتحها. أي يسرعون قاله ٱبن زيد. قتادة والسدي: يمشون. وقيل: المعنى يمشون بجمعهم على مهل آمنين أن يصيب أحد آلهتهم بسوء. وقيل: المعنى يتسللون تسللاً بين المشي والعَدْو ومنه زَفِيف النعامة. وقال الضحاك: يسعون. وحكى يحيى بن سلاّم: يُرعَدون غضباً. وقيل: يختالون وهو مشي الخيلاء قاله مجاهد. ومنه أُخِذ زِفاف العروس إلى زوجها. وقال الفرزدق:
وجاء قَرِيعُ الشَّولِ قبلَ إِفَالِهَا   يَزِفُّ وجاءت خَلْفَه وهي زُفَّفُ
ومن قرأ «يُزِفُّون» فمعناه يزفون غيرهم أي يحملونهم على التزفيف. وعلى هذا فالمفعول محذوف. قال الأصمعي: أزففت الإبل أي حملتها على أن تزِف. وقيل: هما لغتان يقال: زَفَّ القوم وأزفُّوا، وزففت العروسَ وأزففتها وٱزدففتها بمعنىً، والمِزفّة: المحِفّة التي تُزَفّ فيها العروس حكي ذلك عن الخليل. النحاس: «يُزِفُّون» بضم الياء.

السابقالتالي
2