الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } * { أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } * { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ } * { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } * { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ }

قوله تعالى: { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } قال ٱبن عباس: أي من أهل دينه. وقال مجاهد: أي على منهاجه وسنته. قال الأصمعي: الشيعة الأعوان، وهو مأخوذ من الشياع، وهو الحطب الصغار الذي يوقد مع الكبار حتى يستوقد. وقال الكلبي والفراء: المعنى وإن من شيعة محمد لإبراهيم. فالهاء في «شيعته» على هذا لمحمد عليه السلام. وعلى الأوّل لنوح وهو أظهر لأنه هو المذكور أوّلا، وما كان بين نوح وإبراهيم إلا نبيان هود وصالح، وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة حكاه الزمخشري. قوله تعالى: { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } أي مخلص من الشرك والشك. وقال عوف الأعرابي: سألت محمد بن سيرين ما القلب السليم؟ فقال: الناصح للّه عز وجل في خلقه. وذكر الطبري عن غالب القطان وعوف وغيرهما عن محمد بن سيرين أنه كان يقول للحجاج: مسكين أبو محمد! إن عذبه اللّه فبذنبه، وإن غفر له فهنيئاً له، وإن كان قلبه سليماً فقد أصاب الذنوب من هو خير منه. قال عوف: فقلت لمحمد ما القلب السليم؟ قال: أن يعلم أن اللّه حق، وأن الساعة قائمة، وأن اللّه يبعث من في القبور. وقال هشام بن عروة: كان أبي يقول لنا: يا بَنيّ لا تكونوا لَعَّانِين، ألم تروا إلى إبراهيم لم يلعن شيئاً قط، فقال تعالى: { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }. ويحتمل مجيئه إلى ربه وجهين: أحدهما عند دعائه إلى توحيده وطاعته، الثاني عند إلقائه في النار. { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ } وهو آزر، وقد مضى الكلام فيه. { وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } تكون «ما» في موضع رفع بالابتداء و«ذا» خبره. ويجوز أن تكون «ما» و«ذا» في موضع نصب بـ«تعبدون». { أَإِفْكاً } نصب على المفعول به بمعنى أتريدون إفكا. قال المبرّد: والإفك أسوأ الكذب، وهو الذي لا يثبت ويضطرب، ومنه ٱئتفكت بهم الأرض. { آلِهَةً } بدل من إفك { دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } أي تعبدون. ويجوز أن يكون حالاً بمعنى أتريدون آلهة من دون اللّه آفكين. { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي ما ظنكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره؟ فهو تحذير، مثل قوله:مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } [الانفطار: 6]. وقيل: أي شيء أوهمتموه حتى أشركتم به غيره. قوله تعالى: { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } قال ٱبن زيد عن أبيه: أرسل إليه ملكهم إنّ غداً عيدُنا فاخرج معنا، فنظر إلى نجم طالع فقال: إن هذا يطلع مع سقمي. وكان علم النجوم مستعملاً عندهم منظوراً فيه، فأوهمهم هو من تلك الجهة، وأراهم من معتقدهم عذراً لنفسه وذلك أنهم كانوا أهل رعاية وفلاحة، وهاتان المعيشتان يحتاج فيهما إلى نظر في النجوم. وقال ٱبن عباس: كان علم النجوم من النبوّة، فلما حبس اللّه تعالى الشمس على يوشع بن نون أبطل ذلك، فكان نظر إبراهيم فيها عِلماً نبويَّاً.

السابقالتالي
2