الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } * { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } * { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } * { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } * { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ }

قوله تعالى: { أَذَلِكَ خَيْرٌ } مبتدأ وخبر، وهو من قول الله جل وعز. { نُّزُلاً } على البيان والمعنى أنعيم الجنة خير نزلاً { أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } خير نزلاً. والنُّزُل في اللغة الرزق الذي له سعة ـ النحاس ـ وكذا النُّزْل إلا أنه يجوز أن يكون النُّزْل بإسكان الزاي لغة، ويجوز أن يكون أصله النُّزُل ومنه أقيم للقوم نُزُلهم، وٱشتقاقه أنه الغِذاء الذي يصلح أن ينزلوا معه ويقيموا فيه. وقد مضى هذا في آخر سورة «آل عمران». وشجرة الزقوم مشتقة من التزقم وهو البلع على جهد لكراهتها ونتْنها. قال المفسرون: وهي في الباب السادس، وأنها تحيا بلهب النار كما تحيا الشجرة ببرد الماء فلا بد لأهل النار من أن ينحدر إليها مَن كان فوقها فيأكلون منها، وكذلك يصعد إليها من كان أسفل. وٱختلف فيها هل هي من شجر الدنيا التي تعرفها العرب أم لا على قولين: أحدهما أنها معروفة من شجر الدنيا. ومن قال بهذا ٱختلفوا فيها فقال قطرب: إنها شجرة مُرَّة تكون بتهامة من أخبث الشجر. وقال غيره: بل هو كل نبات قاتل. القول الثاني: إنها لا تعرف في شجر الدنيا. فلما نزلت هذه الآية في شجرة الزقوم قالت كفار قريش: ما نعرف هذه الشجرة. فقدم عليهم رجل من إفريقية فسألوه فقال: هو عندنا الزُّبْد والتّمر. فقال ابن الزِّبَعْرى: أكثر الله في بيوتنا الزقوم. فقال أبو جهل لجاريته: زَقِّمينا فأتته بزبد وتمر. ثم قال لأصحابه: تَزَّقموا هذا الذي يخوّفنا به محمد يزعم أن النار تنبت الشجر، والنار تحرق الشجرٰ قوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } أي المشركين، وذلك أنهم قالوا: كيف تكون في النار شجرة وهي تحرق الشجر؟ وقد مضى هذا المعنى في «سبحان» وٱستخفافهم في هذا كقولهم في قوله تعالى:عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } [المدثر: 30]. ما الذي يخصص هذا العدد؟ حتى قال بعضهم: أنا أكفيكم منهم كذا فٱكفوني الباقين. فقال الله تعالى:وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } [المدثر: 31] والفتنة الاختبار، وكان هذا القول منهم جهلاً، إذ لا يستحيل في العقل أن يخلق الله في النار شجراً من جنسها لا تأكله النار، كما يخلق الله فيها الأغلال والقيود والحيات والعقارب وخزنة النار. وقيل: هذا الاستبعاد الذي وقع للكفار هو الذي وقع الآن للملحدة، حتى حملوا الجنة والنار على نعيم أو عقاب تتخلله الأرواح، وحملوا وزن الأعمال والصراط واللوح والقلم على معاني زوَّروها في أنفسهم، دون ما فهمه المسلمون من موارد الشرع، وإذا ورد خبر الصادق بشيء موهوم في العقل، فالواجب تصديقه وإن جاز أن يكون له تأويل، ثم التأويل في موضع إجماع المسلمين على أنه تأويل باطل لا يجوز، والمسلمون مجمعون على الأخذ بهذه الأشياء من غير مصير إلى علم الباطن.

السابقالتالي
2