الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } * { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } * { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } * { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } * { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } * { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } * { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ }

قوله تعالى: { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } أي يتفاوضون فيما بينهم أحاديثهم في الدنيا. وهو من تمام الأُنس في الجنة. وهو معطوف على معنى «يُطَاف عَلَيْهِم» المعنى يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشُّراب. قال بعضهم:
وما بَقيتْ من اللّذاتِ إلا   أحاديثُ الكِرامِ على المُدامِ
فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم في الدنيا إلا أنه جيء به ماضياً على عادة الله تعالى في إخباره. قوله تعالى: { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ } أي من أهل الجنة { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } أي صديق ملازم { يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } أي بالمبعث والجزاء. وقال سعيد بن جبير: قرينه شريكه. وقد مضى في «الكهف» ذكرهما وقصتهما والاختلاف في ٱسميهما مستوفًى عند قوله تعالى:وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } [الكهف: 32] وفيهما أنزل الله جل وعز: { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } إلى { مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } وقيل: أراد بالقرين قرينه من الشيطان كان يوسوس إليه بإنكار البعث. وقرىء: «أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَّدِّقِينَ» بتشديد الصاد. رواه عليّ بن كيسة عن سليم عن حمزة. قال النحاس: ولا يجوز «أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَّدِّقِينَ» لأنه لا معنى للصدقة هاهنا. وقال القشيري: وفي قراءة عن حمزة «أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَّدِّقِينَ» بتشديد الصاد. وٱعترض عليه بأن هذا من التصديق لا من التصدّق. والاعتراض باطل لأن القراءة إذا ثبتت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا مجال للطعن فيها. فالمعنى «أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَّدِّقِينَ» بالمال طلباً في ثواب الآخرة. { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } أي مجزيون محاسبون بعد الموت فـ { قَالَ } الله تعالى لأهل الجنة: { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ }. وقيل: هو من قول المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف حال ذلك القرين. وقيل: هو من قول الملائكة. وليس «هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ» بٱستفهام، إنما هو بمعنى الأمر، أي ٱطّلِعوا قاله ٱبن الأعرابي وغيره. ومنه لما نزلت آية الخمر، قام عمر قائماً بين يدي النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم رفع رأسه إلى السماء، ثم قال: يا رب بياناً أشفى من هذا في الخمر. فنزلت:فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [المائدة: 91] قال: فنادي عمر ٱنتهينا يا ربَّنا. وقرأ ٱبن عباس: «هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونَ» بإسكان الطاء خفيفة «فَأُطْلِعَ» بقطع الألف مخفَّفة على معنى هل أنتم مقبلون فأقبل. قال النحاس: «فَأُطْلِعَ فَرَآهُ» فيه قولان: أحدهما أن يكون فعلاً مستقبلاً معناه فأطلع أنا، ويكون منصوباً على أنه جواب الاستفهام. والقول الثاني أن يكون فعلاً ماضياً ويكون ٱطَّلَع وأُطْلِعَ واحداً. قال الزجاج: يقال طَلَع وأَطْلعَ وَٱطَّلعَ بمعنًى واحد. وقد حكي «هَلْ أَنتُم مُّطْلِعُونِ» بكسر النون وأنكره أبو حاتم وغيره. النحاس: وهو لحن لا يجوز لأنه جمع بين النون والإضافة، ولو كان مضافاً لكان هل أنتم مُطْلِعيّ، وإن كان سيبويه والفرّاء قد حكيا مثله، وأنشدا:

السابقالتالي
2 3