الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } * { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } * { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } * { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ }

قوله تعالى: { وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا * فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً * فَٱلتَّالِيَاتِ ذِكْراً } هذه قراءة أكثر القرّاء. وقرأ حمزة بالإدغام فيهنّ. وهذه القراءة التي نفر منها أحمد بن حنبل لما سمعها. النحاس: وهي بعيدة في العربية من ثلاث جهات: إحداهن أن التاء ليست من مخرج الصاد، ولا من مخرج الزاي، ولا من مخرج الذال، ولا من أخواتهن، وإنما أختاها الطاء والدال، وأخت الزاي الصاد والسين، وأخت الذال الظاء والثاء. والجهة الثانية أن التاء في كلمة وما بعدها في كلمة أخرى. والجهة الثالثة أنك إذا أدغمت جمعت بين ساكنين من كلمتين، وإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا إذا كانا في كلمة واحدة نحو دابة وشابة. ومجاز قراءة حمزة أن التاء قريبة المخرج من هذه الحروف. «وَالصَّافَّاتِ» قسم الواو بدل من الباء. والمعنى برب الصَّافَّات و «الزَّاجِرَاتِ» عطف عليه. { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } جواب القسم. وأجاز الكسائي فتح إن في القسم. والمراد بـ «ـالصَّافَّاتِ» وما بعدها إلى قوله: { فَٱلتَّالِيَاتِ ذِكْراً } الملائكة في قول ٱبن عباس وٱبن مسعود وعِكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة. تُصَفّ في السماء كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة. وقيل: تصفّ أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد. وهذا كما تقوم العبيد بين أيدي ملوكهم صفوفاً. وقال الحسن: «صَفًّا» لصفوفهم عند ربهم في صلاتهم. وقيل: هي الطير دليله قوله تعالى:أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ } [الملك: 19]. والصف ترتيب الجمع على خط كالصفّ في الصلاة. «وَالصَّافَّاتِ» جمع الجمع يقال: جماعة صافة ثم يجمع صافّات. وقيل: الصّافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفًّا في الصلاة أو في الجهاد ذكره القشيري. «فَالزَّاجِرَاتِ» الملائكة في قول ٱبن عباس وٱبن مسعود ومسروق وغيرهم على ما ذكرناه. إما لأنها تزجر السحاب وتسوقه في قول السدّي. وإما لأنها تزجر عن المعاصي بالمواعظ والنصائح. وقال قتادة: هي زواجر القرآن. { فَٱلتَّالِيَاتِ ذِكْراً } الملائكة تقرأ كتاب الله تعالى قاله ٱبن مسعود وٱبن عباس والحسن ومجاهد وٱبن جُبير والسّدي. وقيل: المراد جبريل وحده فذكر بلفظ الجمع لأنه كبير الملائكة فلا يخلو من جنود وأتباع. وقال قتادة: المراد كل من تلا ذكر الله تعالى وكتبه. وقيل: هي آيات القرآن وصفها بالتلاوة كما قال تعالى:إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [النمل: 76]. ويجوز أن يقال لآيات القرآن تاليات لأن بعض الحروف يتبع بعضاً ذكره القشيري. وذكر الماوردي: أن المراد بالتَّاليات الأنبياء يتلون الذكر على أممهم. فإن قيل: ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات؟ قيل له: إما أن تدل على ترتب معانيها في الوجود كقوله:
يَالَهْفَ زَيَّابَةَ للحارثِ الصـ   ـابِح فالغَانِم فالآيِبِ

السابقالتالي
2