الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } * { فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ } * { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } * { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } * { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ } * { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ }

قوله تعالى: { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } يعني المخلصين أي لهم عطية معلومة لا تنقطع. قال قتادة: يعني الجنة. وقال غيره: يعني رزق الجنة. وقيل: هي الفواكه التي ذكر. قال مقاتل: حين يشتهونه. وقال ٱبن السائب: إنه بمقدار الغداة والعشي قال الله تعالى:وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } [مريم: 62]. { فَوَاكِهُ } جمع فاكهة قال الله تعالى:وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ } [الطور: 22] وهي الثمار كلها رطبها ويابسها قاله ٱبن عباس. { وَهُم مُّكْرَمُونَ } أي ولهم إكرام من الله جل وعز برفع الدرجات وسماع كلامه ولقائه. { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } أي في بساتين يتنعمون فيها. وقد تقدّم أن الجنان سبع في سورة «يونس» منها النعيم. قوله تعالى: { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } قال عكرمة ومجاهد: لا ينظر بعضهم في قفا بعض تواصلاً وتحابباً. وقيل: الأسِرَّة تدور كيف شاءوا فلا يرى أحد قفا أحد. وقال ٱبن عباس: على سرر مكلّلة بالدرّ والياقوت والزبرجد السرير ما بين صنعاء إلى الجابية، وما بين عدن إلى أيلة. وقيل: تدور بأهل المنزل الواحد. والله أعلم. قوله تعالى: { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } لما ذكر مطاعمهم ذكر شرابهم. والكأس عند أهل اللغة ٱسم شامل لكل إناء مع شرابه فإن كان فارغاً فليس بكأس. قال الضحاك والسدي: كل كأس في القرآن فهي الخمر، والعرب تقول للإناء إذا كان فيه خمر كأس، فإذا لم يكن فيه خمر قالوا إناء وقدح. النحاس: وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر: كأس فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام: مائدة فإذا لم يكن عليه طعام لم تقل له مائدة. قال أبو الحسن بن كيسان: ومنه ظعينة للهودج إذا كان فيه المرأة. وقال الزجاج: «بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ» أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض. والمعين: الماء الجاري الظاهر. { بَيْضَآءَ } صفة للكأس. وقيل: للخمر. { لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } قال الحسن: خمر الجنة أشدّ بياضاً من اللبن. «لَذَّةٍ» قال الزجاج: أي ذات لذة فحذف المضاف. وقيل: هو مصدر جعل ٱسماً أي بيضاء لذيذة يقال شراب لذٌّ ولذيذ، مثل نبات غَضٌّ وغضيض. فأما قول القائل:
ولذٍ كطَعْمِ الصَّرْخَدِيِّ تركتُهُ   بأرض العِدَا مِنْ خَشيةِ الحَدَثَانِ
فإنه يريد النوم. وقيل: «بَيْضَاءَ» أي لم يعتصرها الرجال بأقدامهم. { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } أي لاتغتال عقولهم، ولا يصيبهم منها مرض ولا صداع. { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } أي لا تذهب عقولهم بشربها يقال: الخمر غَوْل للحِلْم، والحرب غول للنفوس أي تذهب بها. ويقال: نُزِف الرجلُ يُنْزَف فهو منزوفٌ ونزيفٌ إذا سكر. قال ٱمرؤ القيس:
وإذ هي تمشِي كمشي النَّزيـ   ـفِ يَصْرَعُه بالكثيب البَهَرْ

السابقالتالي
2 3