الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } * { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } * { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } * { بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } * { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } * { قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ } * { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ } * { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } * { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } * { إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } * { إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ }

قوله تعالى: { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } هو من قول الله تعالى للملائكة: { ٱحْشُرُواْ } المشركين { وَأَزْوَاجَهُمْ } أي أشياعهم في الشرك، والشرك الظلم قال الله تعالى:إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13] فيحشر الكافر مع الكافر قاله قتادة وأبو العالية. وقال عمر بن الخطاب في قول الله عز وجل: { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } قال: الزاني مع الزاني، وشارب الخمر مع شارب الخمر، وصاحب السرقة مع صاحب السرقة. وقال ابن عباس: «وَأَزْوَاجَهُمْ» أي أشباههم. وهذا يرجع إلى قول عمر. وقيل: «وَأَزْوَاجَهُمْ» نساؤهم الموافقات على الكفر قاله مجاهد والحسن، ورواه النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب. وقال الضحاك: «وَأَزْوَاجَهُمْ» قرناءهم من الشياطين. وهذا قول مقاتل أيضاً: يحشر كل كافر مع شيطانه في سلسلة. { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي من الأصنام والشياطين وإبليس. { فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } أي سوقوهم إلى النار. وقيل: «فَٱهْدُوهُمْ» أي دُلّوهم. يقال: هديته إلى الطريق، وهديته الطريق أي دللته عليه. وأهديتُ الهديّةَ وهَديتُ العروسَ، ويقال أهديتها أي جعلتها بمنزلة الهديّة. قوله تعالى: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } وحكى عيسى بن عمر «أَنَّهُمْ» بفتح الهمزة. قال الكسائي: أي لأنهم وبأنهم، يقال: وَقفتُ الدابَة أقفها وَقْفاً فوقفت هي وقوفاً، يتعدى ولا يتعدى أي ٱحبسوهم. وهذا يكون قبل السَّوق إلى الجحيم وفيه تقديم وتأخير، أي قفوهم للحساب ثم سوقوهم إلى النار. وقيل: يساقون إلى النار أولاً ثم يحشرون للسؤال إذا قربوا من النار. «إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم قاله القرظي والكلبي. الضحاك: عن خطاياهم. ٱبن عباس: عن لا إلٰه إلا الله. وعنه أيضاً: عن ظلم الخلق. وفي هذا كله دليل على أن الكافر يحاسب. وقد مضى في «الحجر» الكلام فيه. وقيل: سؤالهم أن يقال لهم:أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } [الأنعام: 130] إقامة للحجة. ويقال لهم: { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } على جهة التقريع والتوبيخ أي ينصر بعضكم بعضاً فيمنعه من عذاب الله. وقيل: هو إشارة إلى قول أبي جهل يوم بدر:نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } [القمر: 44]. وأصله تتناصرون فطُرحت إحدى التاءين تخفيفاً. وشدّد الْبَزِّي التاء في الوصل. قوله تعالى: { بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } قال قتادة: مستسلمون في عذاب الله عز وجل. ٱبن عباس: خاضعون ذليلون. الحسن: منقادون. الأخفش: ملقون بأيديهم. والمعنى متقارب. { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } يعني الرؤساء والأتباع { يَتَسَآءَلُونَ } يتخاصمون. ويقال لا يتساءلون فسقطت لا. النحاس: وإنما غلط الجاهل باللغة فتوهّم أن هذا من قوله:فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [المؤمنون: 101] إنما هو لا يتساءلون بالأرحام، فيقول أحدهم: أسألك بالرحم الذي بيني وبينك لما نفعتني، أو أسقطت لي حقاً لك عليّ، أو وهبت لي حسنة. وهذا بيّن لأن قبله «فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ».

السابقالتالي
2 3