الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } * { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } * { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }

فيه ثمان مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } يونس هو ذو النون، وهو ٱبن متّى، وهو ابن العجوز التي نزل عليها إلياس، فاستخفى عندها من قومه ستة أشهر ويونس صبيّ يرضع، وكانت أم يونس تخدمه بنفسها وتؤانسه، ولا تدّخر عنه كرامة تقدر عليها. ثم إن إلياس سئم ضيق البيوت فلحق بالجبال، ومات ابن المرأة يونس، فخرجت في إثر إلياس تطوف وراءه في الجبال حتى وجدته، فسألته أن يدعو اللّه لها لعلّه يُحي لها ولدها فجاء إلياس إلى الصبي بعد أربعة عشر يوماً من موته، فتوضأ وصلّى ودعا اللّه فأحيا اللّه يونس ابن متى بدعوة إلياس عليه السلام. وأرسل اللّه يونس إلى أهل نِينَوَى من أرض الموصل وكانوا يعبدون الأصنام ثم تابوا، حسبما تقدّم بيانه في سورة «يونس» ومضى في «الأنبياء» قصة يونس في خروجه مغاضباً. واختلف في رسالته هل كانت قبل التقام الحوت إياه أو بعده. قال الطبري عن شهر بن حَوْشَب: إن جبريل عليه السلام أتى يونس فقال: ٱنطلق إلى أهل نِينَوى فأنذرهم أن العذاب قد حضرهم. قال: ألتمس دابة. قال: الأمر أعجل من ذلك. قال: ألتمس حذاء. قال: الأمر أعجل من ذلك. قال: فغضب فانطلق إلى السفينة فركب، فلما ركب السفينة احتبست السفينة لا تتقدّم ولا تتأخر. قال: فتساهموا، قال: فُسهِم، فجاء الحوت يبصبص بذنبه فنودي الحوت: أيا حوت! إنا لم نجعل لك يونس رزقاً إنما جعلناك له حرزاً ومسجداً. قال: فالتقمه الحوت من ذلك المكان حتى مَرَّ به إلى الأُبلّة، ثم ٱنطلق به حتى مرّ به على دجلة، ثم ٱنطلق حتى ألقاه في نِينوى. حدّثنا الحرث قال حدثنا الحسن قال حدثنا أبو هلال قال حدثنا شهر بن حَوْشَب عن ابن عباس قال: إنما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت واستدل هؤلاء بأن الرسول لا يخرج مغاضباً لربه، فكان ما جرى منه قبل النبوّة. وقال آخرون: كان ذلك منه بعد دعائه من أرسل إليهم إلى ما أمره اللّه بدعائهم إليه، وتبليغه إياهم رسالة ربه، ولكنه وعدهم نزول ما كان حذرهم من بأس اللّه في وقت وقَّته لهم ففارقهم إذ لم يتوبوا ولم يراجعوا طاعة اللّه، فلما أظل القومَ العذابُ وغشيهم ـ كما قال اللّه تعالى في تنزيله ـ تابوا إلى اللّه، فرفع اللّه العذاب عنهم، وبلغ يونس سلامتهم وارتفاع العذاب الذي كان وعدهموه فغضب من ذلك وقال: وعدتهم وعدا فكذب وعدى. فذهب مغاضباً ربه وكره الرجوع إليهم، وقد جرّبوا عليه الكذب رواه سعيد بن جُبير عن ابن عباس. وقد مضى هذا في «الأنبياء» وهو الصحيح على ما يأتي عند قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5