الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ } * { أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ } * { ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } * { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } * { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } قال المفسرون: إلياس نبيّ من بني إسرائيل. وروي عن ٱبن مسعود قال: إسرائيل هو يعقوب وإلياس هو إدريس. وقرأ «وَإِنَّ إِدْرِيسَ» وقاله عكرمة. وقال: هو في مصحف عبد اللّه «وَإِنَّ إِدريسَ لَمِن الْمُرْسَلِينَ» وانفرد بهذا القول. وقال ابن عباس: هو عمّ اليسع. وقال ابن إسحاق وغيره: كان القَيِّم بأمر بني إسرائيل بعد يوشع كالب بن يوقنا ثم حِزقيل، ثم لما قبض اللّه حِزقيل النبي عظمت الأحداث في بني إسرائيل، ونسوا عهد اللّه وعبدوا الأوثان من دونه، فبعث اللّه إليهم إلياس نبيًّا وتبعه اليسع وآمن به، فلما عتا عليه بنو إسرائيل دعا ربه أن يريحه منهم فقيل له: ٱخرج يوم كذا وكذا إلى موضع كذا وكذا فما ٱستقبلك من شيء فاركبه ولا تَهَبْه. فخرج ومعه اليسع فقال: يا إلياس ما تأمرني. فقذف إليه بكسائه من الجوّ الأعلى، فكان ذلك علامة استخلافه إياه على بني إسرائيل، وكان ذلك آخر العهد به. وقطع اللّه على إلياس لذة المطعم والمشرب. وكساه الريش وألبسه النور، فطار مع الملائكة، فكان إنسيًّا مَلَكياً سماويًّا أرضيًّا. قال ابن قتيبة: وذلك أن اللّه تعالى قال لإلياس: «سلني أعطك». قال: ترفعني إليك وتؤخر عني مذاقة الموت. فصار يطير مع الملائكة. وقال بعضهم: كان قد مرض وأحس الموت فبكى، فأوحى اللّه إليه: لِمَ تبك؟ حرصاً على الدنيا، أو جزعاً من الموت، أو خوفاً من النار؟ قال: لا، ولا شيء من هذا وعِزَّتِك، إنما جزعي كيف يحمدك الحامدون بعدي ولا أحمَدك! ويذكرك الذاكرون بعدي ولا أذكرك! ويصوم الصائمون بعدي ولا أصوم! ويصلّي المصلون ولا أصلي فقيل له: «يا إلياس وعزتي لأؤخرنك إلى وقت لا يذكرني فيه ذاكر». يعني يوم القيامة. وقال عبد العزيز بن أبي روّاد: إنّ إلياس والخضر عليهما السلام يصومان شهر رمضان في كل عام ببيت المقدس يوافيان الموسم في كل عام. وذكر ابن أبي الدنيا إنهما يقولان عند افتراقهما عن الموسم: ما شاء اللّه ما شاء اللّه، لا يسوق الخير إلا اللّه، ما شاء اللّه ما شاء اللّه، لا يصرف السوء إلاّ اللّه ما شاء اللّه ما شاء اللّه، ما يكون من نعمة فمن اللّه ما شاء اللّه ما شاء اللّه توكلت على اللّه حسبنا اللّه ونعم الوكيل، وقد مضى في «الكهف». وذكر من طريق مكحول " عن أنس قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بفَجِّ الناقة عند الحجر، إذا نحن بصوت يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة، المغفور لها، المتوب عليها، المستجاب لها. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «يا أنس، ٱنظر ما هذا الصوت». فدخلت الجبل، فإذا أنا برجل أبيض اللحية والرأس، عليه ثياب بيض، طوله أكثر من ثلثمائة ذراع، فلما نظر إليّ قال: أنت رسول النبي؟ قلت نعم قال: ارجع إليه فأقرئه مني السلام وقل له: هذا أخوك إلياس يريد لقاءك. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه، حتى إذا كنا قريباً منه، تقدّم النبي صلى الله عليه وسلم وتأخرت، فتحدّثا طويلاً، فنزل عليهما شيء من السماء شبه السّفرة فدعواني فأكلت معهما، فإذا فيها كمأة ورمّان وكرفس، فلما أكلت قمت فتنحيت، وجاءت سحابة فاحتملته فإذا أنا أنظر إلى بياض ثيابه فيها تهوي به فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمي! هذا الطعام الذي أكلنا أمن السماء نزل عليه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سألته عنه فقال يأتيني به جبريل في كل أربعين يوماً أكلة، وفي كل حول شربة من ماء زمزم، وربما رأيته على الجبّ يملأ بالدلو فيشرب وربما سقاني» "

السابقالتالي
2 3 4