الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } * { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } * { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } * { دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } * { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }

قوله تعالى: { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } قال قتادة: خلقت النجوم ثلاثاً رجوماً للشياطين، ونوراً يهتدى بها، وزينة لسماء الدنيا. وقرأ مسروق والأعمش والنخعي وعاصم وحمزة: «بِزِينةٍ» مخفوض منوّن «الْكَوَاكِبِ» خفض على البدل من «زينة» لأنها هي. وقرأ أبو بكر كذلك إلا أنه نصب «الْكَوَاكب» بالمصدر الذي هو زينة. والمعنى بأن زينا الكواكب فيها. ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار أعني كأنه قال: إنا زيناها «بِزينة» أعني «الكواكِبَ». وقيل: هي بدل من زينة على الموضع. ويجوز «بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبُ» بمعنى بأن زينتها الكواكبُ. أو بمعنى هي الكواكب. الباقون «بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ» على الإضافة. والمعنى زينا السماء الدنيا بتزيين الكواكِب أي بحسن الكواكب. ويجوز أن يكون كقراءة من نوّن إلا أنه حذف التنوين ٱستخفافاً. { وَحِفْظاً } مصدر أي حفظناها حفظاً. { مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } لما أخبر أن الملائكة تنزل بالوحي من السماء، بيّن أنه حرس السماء عن ٱستراق السمع بعد أن زيّنها بالكواكب. والمارد: العاتي من الجن والإنس، والعرب تسميه شيطاناً. قوله تعالى: { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } قال أبو حاتم: أي لئلا يسمعوا ثم حذف «أن» فرفع الفعل. الملأ الأعلى: أهل السماء الدنيا فما فوقها، وسمّي الكل منهم أعلى بالإضافة إلى ملإ الأرض. الضمير في «يَسَّمَّعُون» للشياطين. وقرأ جمهور الناس «يَسْمَعُونَ» بسكون السين وتخفيف الميم. وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص «لاَ يَسَّمَّعُونَ» بتشديد السين والميم من التسميع. فينتفي على القراءة الأولى سماعهم وإن كانوا يستمعون، وهو المعنى الصحيح، ويعضده قوله تعالى:إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [الشعراء: 212]. وينتفي على القراءة الأخيرة أن يقع منهم ٱستماع أو سماع. قال مجاهد: كانوا يتسمَّعون ولكن لا يسمعون. وروي عن ٱبن عباس «لاَ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإَ» قال: هم لا يسمَّعون ولا يتسمعون. وأصل «يَسَّمَّعُونَ» يتسمعون فأدغمت التاء في السين لقربها منها. وٱختارها أبو عبيد لأن العرب لا تكاد تقول: سمعت إليه وتقول تسمّعت إليه. { وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } أي يُرمَون من كل جانب أي بالشُّهب. { دُحُوراً } مصدر لأن معنى «يُقْذَفُونَ» يُدحَرون. دحرته دَحْراً ودُحُورا أي طردته. وقرأ السُّلَمي ويعقوب الحضرمي «دَحُوراً» بفتح الدال يكون مصدراً على فعول. وأما الفرّاء فإنه قدّره على أنه ٱسم الفاعل. أي ويقذفون بما يدحرهم أي بدحور ثم حذف الباء والكوفيون يستعملون هذا كثيراً كما أنشدوا:
تَمُّرونَ الديارَ ولَمْ تَعوجُوا   
وٱختُلف هل كان هذا القذف قبل المبعث، أو بعده لأجل المبعث على قولين. وجاءت الأحاديث بذلك على ما يأتي من ذكرها في سورة «الجن» عن ٱبن عباس. وقد يمكن الجمع بينهما أن يقال: إن الذين قالوا لم تكن الشياطين تُرْمى بالنجوم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم رميت أي لم تكن تُرمَى رمياً يقطعها عن السمع، ولكنها كانت تُرمَى وقتاً ولا تُرمَى وقتاً، وتُرمى من جانب ولا تُرمَى من جانب.

السابقالتالي
2 3