الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ } * { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: " هل تدرون ممّ أضحك؟ ـ قلنا الله ورسوله أعلم قال ـ من مخاطبة العبد ربه، يقول يا رب ألم تُجِرني من الظُّلْم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلاّ شاهداً منّي قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال فيختم على فيه فيقال لأركانه ٱنطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلَّى بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكنّ وسُحقًا فعنكنّ كنت أناضِل " خرجه أيضاً من حديث أبي هريرة. وفيه: " ثم يقال له الآن نبعث شاهدَنا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه ٱنطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليُعذِر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه " وخرج الترمذي عن معاوية بن حَيْدَة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره قال: وأشاره بيده إلى الشام فقال " من هاهنا إلى هاهنا تحشرون ركباناً ومشاة وتجرّون على وجوهكم يوم القيامة على أفواهكم الفِدَام توفون سبعين أمة أنتم خيرهم وأكرمهم على الله وإن أول ما يعرِب عن أحدكم فخذه " في رواية أخرى «فخذه وكفّه» الفِدام مصْفاة الكوز والإبريق قاله الليث. قال أبو عبيد: يعني أنهم منعوا الكلام حتى تكلم أفخاذهم فشبه ذلك بالفِدام الذي يجعل على الإبريق. ثم قيل في سبب الختم أربعة أوجه: أحدها ـ لأنهم قالواوَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] فختم الله على أفواههم حتى نطقت جوارحهم قاله أبو موسى الأشعري. الثاني ـ ليعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم قاله ٱبن زياد. الثالث ـ لأن إقرار غير الناطق أبلغ في الحجة من إقرار الناطق لخروجه مخرج الإعجاز، وإن كان يوماً لا يحتاج إلى إعجاز. الرابع ـ ليعلم أن أعضاءه التي كانت أعواناً في حق نفسه صارت عليه شهوداً في حق ربه. فإن قيل: لم قال { وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ } فجعل ما كان من اليد كلاماً، وما كان من الرجل شهادة؟ قيل: إن اليد مباشرة لعمله والرجل حاضرِة، وقول الحاضر على غيره شهادة، وقول الفاعل على نفسه إقرار بما قال أو فعل فلذلك عبر عما صدر من الأيدي بالقول، وعما صدر من الأرجل بالشهادة. وقد روي عن عُقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فَخِذه من الرِّجل اليسرى "

السابقالتالي
2 3